كيف نحول المحنة إلى مُنحة؟

آراء 2020/04/17
...

عبد الزهرة محمد الهنداوي 
 

التفكير بالحلول والمعالجات، ليس حكراً على أحد.. الجميع يفكر.. والجميع يريد الحل ..الحل الذي يخرج البلاد والعباد من المحنة.. نعم، لا يختلف اثنان على ان العراق يواجه اليوم تحدياً ليس سهلاً، او لنقل، محنة او أزمة متعددة الرؤوس: (صحية متمثلة بانتشار فيروس كورونا، وما رافقه من تداعيات قد تبقى آثارها حتى حين آت)، و(اقتصادية، يمثلها تراجع اسعار النفط بنحو مخيف ، في ظل اعتماد الاقتصاد العراقي على الايرادات النفطية بنسبة ٩٠ ٪، وكأننا نعمل بمبدأ "نبيع نفطاً لنأكل خبزاً")

 وهذا الرأس الثاني لا يقل اثراً وخطراً عن الرأس الاول، بل ربما يفوقه، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار، اننا بحاحة الى الأموال اللازمة لتأمين متطلبات عمليات مواجهة الوباء.. 
فيما يتمثل الرأس الثالث من رؤوس الازمة، بـ(تداعيات المشهد السياسي والخلل البنيوي الذي رافق ولادة العملية السياسية) ، وهذا الرأس دائم النمو حتى اصبح اشبه بورم غير حميد ومتضخم ، وباتت افرازاته السامة تسري في جميع مفاصل الجسد العراقي .. وازاء محنتنا هذه ذات الرؤوس الثلاثة ، كيف لنا ان نتصرف ؟ ، هل نتركها تستفحل وتتفاقم ، حتى تقضي علينا قضاء مبرماً ؟ ، ام اننا نذهب للبحث عن جرّاح حاذق ، لديه القدرة والخبرة والشجاعة ، لان يقطّع بمبضعه تلك الرؤوس من دون ان يسمح بحدوث مضاعفات حادة ، قد تتسبب بنتائج كارثية غير متوقعة ؟ ابتداءً ، علينا ان نثق بقدراتنا وبانفسنا ، لان الثقة بالنفس تخلق حالة من الطمأنينة ، تجعل الانسان قادراً على تحمل الالم ، بأمل الشفاء من الداء ، والقدرات التي نشير اليها هنا ، هي قدراتنا كأفراد ، بوصفنا موارد بشرية يمكن اعتبارها متكاملة ، آخذين بنظر الاعتبار الامكانات العلمية والعقلية والمهنية والحرفية والجسدية ، لمكونات المجتمع العراقي ، وهذه القدرات البشرية ، بطبيعة الحال ، تعد مدخلاً مهماً ومساراً أساسياً من مسارات تحقيق التنمية ، ببعديها ، الاقتصادي والاجتماعي ، ثم نتحول إلى القدرات والإمكانات التي يزخر بها العراق ، وهي قدرات هائلة ، لو تم استغلالها بنحو سليم ، لاصبحنا  ننظر إلى النفط ، نظرة شزر واحتقار ، بل ونحاسبه على جميع المشكلات والعاهات والأمراض التي سببها لنا طيلة عقود من الزمن ، ومنها مرض الاسترخاء المميت!! .
ومما لا شك فيه، ان نظرة إيجابية، من هذا النوع ، مشفوعة  بارتفاع وتيرة الثقة بالنفس والقدرات الذاتية والعامة ، ستهدينا بالتأكيد إلى ايجاد الحلول والمعالجات الناجعة ، التي تستبطنها الأزمة، فما من أزمة يمر بها فرد او مجتمع او دولة، الا وأسهمت في هداية تلك الشعوب إلى اكتشاف حلول مستدامة.. 
ومثل هذه النظرة تدعونا إلى الابتعاد عن التطيّر واثارة الرعب، فمثل هذا الحال لن يعالج المشكلة بل سيفاقمها، كما لا ينبغي ان نتفاءل بإفراط، لان الحلول التي نتحدث عنها، ستحتاج إلى مساحات زمنية، لكي نتلمس نتائجها في ارض الواقع..
ومن رأس الأزمة الأول (كورونا)، تنطلق الحلول.. 
بعد ان وضع العراقيون ، اساسات الحل، وان كانت بسيطة ، ولكن يمكن البناء عليها ، ومن ذلك ، النهوض بصناعة الأجهزة والمستلزمات الطبية والأدوية ، وقد واجه العالم بأسره مشكلة في هذا الجانب ، لاسيما فيما يتعلق بتوفير اجهزة التنفس ، والكمامات ، وباقي المستلزمات ، وتتمثل تلك الأساسات، بقيام عدد من الجامعات والمؤسسات والنقابات والمراكز والأشخاص في عموم العراق، بصناعة اجهزة تنفس، وروبوتات آلية، واسرّة كهربائية، وبدلات واقية ، وادوية ومستحضرات ، بالإمكان تبنيها من قبل الحكومة او القطاع الخاص، لكي يتم تحويلها إلى انتاج نمطي لتعزيز وتطوير الواقع الطبي والصحي والتمريضي في العراق.. 
وفي الرأس الثاني (الاقتصادي)، فإن لدينا اليوم فرصة ذهبية، لتوجيه المسار نحو قطاع الزراعة والصناعات التحويلية الزراعية، وكما هو معروف، ان الميزة المكانية والهوية الأصلية للعراق هي الزراعة ، من اقصاه إلى اقصاه ، ولا توجد بقعة في هذا البلد غير صالحة للزراعة ، فضلاً عن توافر الاركان الأساسية لذلك وهي الماء والقدرات البشرية والبيئة والمناخ ، كما ان الزراعة لا تتطلب أموالاً طائلة لتحسين واقعها ، وقد أظهرت ظروف حظر التجوال وإغلاق الحدود ، وتراجع مستويات الاستيراد ، اهمية توفير السلة الغذائية ، محلياً ، وبدا ذلك واضحاً من خلال وفرة المحاصيل واستقرار اسعارها بنحو يبعث الاطمئنان ، ولكننا ونحن نتحدث عن محاصيل زراعية ، من الوارد ان نواجه شحة في هذا المحصول او ذاك ، بحسب مواسم الوفرة لتلك المحاصيل ، ولذلك ، ينبغي التوسع في الزراعة بنحو يضمن لنا تحقيق الامن الغذائي الشامل والاكتفاء الذاتي ، من المحاصيل الزراعية والحبوب الستراتيجية والفواكه والخضر ، فضلاً عن توسيع وتحسين الصناعات التحويلية الزراعية ، وتطوير انتاج البيض واللحوم البيضاء والحمراء.
ان تحقيق الاكتفاء الذاتي سينقلنا بعد ذلك إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة التصدير إلى البلدان الأخرى، خصوصاً ان المنتج العراقي معروف بجودته، فهو مرغوب ومفضل لدى الكثير من البلدان وفي مقدمتها دول الخليج العربي، وكما هو معلوم، فان نهوض قطاع الزراعة، سيسهم في تحريك قطاعات أخرى مثل النقل والتخزين والمطاعم ، ومعنى هذا، توفير ملايين فرص العمل ، مباشرة وغير مباشرة ، ناهيكم عن تحقيق التكامل الاقتصادي بين المحافظات، وتعزيز الأواصر الاجتماعية، او ما يعرف، بالاقتصاد الاجتماعي، وكل ذلك ربما لا يحتاج الا إلى ثلاث او اربع سنوات لتحقيقه، شريطة السير بهدي خطة    واضحة الأهداف، وقطعاً ان مثل هذه الخطة موجودة، وحان الوقت المناسب للمضي في تنفيذها، ولكن ذلك يتطلب، استقراراً سياسياً، يوفر إرادة سياسية داعمة لمثل هذه التوجهات، وهذا الكلام يوصلنا إلى الرأس الثالث من رؤوس الازمة (الخلل في العملية السياسية)، واعتقد ان الفرصة الان هي الأخرى باتت مؤاتية ، لان تعيد العملية السياسية النظر في مساراتها ، وتصحيح الخاطئ منها ، لكي نمضي، باتجاه البر الآمن .. 
وهذه العملية تشبه إلى حد ما استحصال الأمصال المضادة للفيروسات من أولئك الذين اصيبوا بها ، ونحن نسميها هنا، تحويل المحنة إلى منحة..