المثقفون والسياسة

آراء 2020/04/18
...

سلام حربه
 

ما يُلاحظ على المشهد السياسي العراقي، بعد التغيير في 2003 وحتى الآن، غياب الوجوه الثقافية البارزة، من أدباء وكتّاب معروفين، عن المشهد السياسي العراقي، وهذا يعود، بالأساس، إلى تقدّم السياسي (المجرد) وشَغْله كلّ المواقع من دون أن يترك مجالاً، أو موطئ قدم للمثقف كي يشغله. كما أنّ الكثير من المثقفين، ومنذ التغيير، قد وقف، منذهلا، وهو يتفرج على الأحداث، مراقباً عن كثب ما يحصل في المشهد السياسي من مفاجآت وانهيارات. إنّ غياب صوت المثقف عن المشهد السياسي قد أضرَّ بالحياة السياسية الجديدة كثيرا، ففي الوقت الذي كان المواطن يأمل أن يرى الوجوه الثقافية المحبّبة إليه في الواجهة تصوغ وترمم، بإمكاناتها المعرفية وبعد نظرها وقدرتها على المناورة والإقناع، التصدّعَ والانحدارَ الذي آلت إليه العملية السياسية، وجد هذا المواطن أن صوت المثقف كان خجولا، بل معدوما في أحايين كثيرة، وضائعا في سوق الأصوات الهجينة التي امتلأت بها الساحة السياسية العراقية. لقد كانت هناك خشية لدى المثقف من أن يكون عرضة للتصفية الجسدية من قبل بعض الأحزاب وأذرعها المسلّحة التي لها وجه بشوش زائف أمام الناس، لكنّها تمتلك وجها آخرَ دموي ويداً طولى في الإرهاب، وقد حصلت، بالفعل، بعض عمليات التصفية لبعض الرموز الثقافية والأدبية التي حاولت أن يكون لها شأنٌ في الحياة السياسية. إنّ الخللَ والإنهيار الذي حصل في الواقع يتحمل مسؤليته التاريخية المثقف العراقي، في بعض مفاصله، ففي الوقت الذي تُرك البلد عرضة للأهواء والأمزجة وللقياسات الضيّقة لبعض الأمّيّين من السياسيين، التي نرى آثارها الكارثية حتى هذه اللحظة، كان على المثقفين أن يأخذوا المبادرة ويصوغوا، مع الوطنيين الشرفاء، الحياة السياسية وفق رؤاهم وتأمّلاتهم وتنظيراتهم المعرفية، وألّا يسمح المثقف لنفسه أن يكون عتلة صغيرة في ماكنة السياسي النفعية العملاقة كما حصل في زمن النظام السابق، ويحصل أحيانا في الزمن الجديد، حتى يشعر المواطن بأنّه يقف على ضفاف آمنة ورصينة، والمثقفون من السياسيين هم من يمسكوا مصير هذا البلد. قد يكون المثقف الحقيقي ملتزماً بكتلة سياسية معينة ولديه توجهات فكرية خاصة به، لكنّ هذا لا يمنع أن تتّجه البوصلة الفكرية باتّجاهه، ويكون هو على رأس الهرم السياسي، وبيده المفاتيح السحرية التي تصوغ  الأخلاق السياسية والقيم الثقافية معا. الثقافة والسياسة ترتبطان بعلاقة جدلية لا تستطيعان الفكاك منها، وإن غابت إحداهما فهذا، بالضرورة، يعني تشوّه الأخرى، ومن غير المعقول أن تنهض ثقافة حقيقية في البلد من دون بنىً سياسية واقتصادية واجتماعية راكزة، ولا ينكر دور الثقافة ومعطاياتها وإشراقاتها في تأثيث الوضع السياسي والاجتماعي، ولدينا العديد من التجارب السياسية في بلدان العالم، خصوصا في الغرب، صاغها مثقفون وأدباء ووضعوا عجلة الحياة على سكة السلامة. ما تحتاجه الحياة العراقية، الآن، أنْ يتبوّأ المثقف المكانة السياسية التي تليق به حتى يكون هو الحكم والفيصل في الحياة السياسية، وأن يكون المثقفون على رأس الكتل والأحزاب السياسية الوطنية المتصارعة في المشهد الانتخابي إن كانت مثل هذه الكتل والأحزاب وطنية حقا، عندها سيعطي الصراع الجدلي والمعرفي والتنويري بينهم دفقا جديدا للحياة السياسية، ويتم تشخيص الخلل الموجود في الماكنة السياسية لأنّ المثقف الحقيقي، بالضرورة، يجب أن يكون إنسانيّا وأخلاقيّا ومتجرّدا من الذاتية والمنافع الشخصية.