من أجل تقريب صورة المحنة ما بين خطر كورونا وبين رغبة الناس بتخفيف قيود الحظر والحجر يأخذ الكاتب البريطاني جوناثان فريدلاند المثال التالي: تخيل أنَّ أسرة هربت من دُبٍ هائجٍ في الغابة، بحثًا عن ملجأ في كوخ خشبي. وبعد أنْ لجؤوا هناك لأيامٍ وأسابيع أصبحوا يائسين لمعرفة متى يمكنهم الخروج، لكنهم لن يسألوا ببساطة «متى؟»، إنهم سيتساءلون «متى سيكون المكان آمناً (لخروجنا)».
الأسرة، بموجب مثال فريدلاند، وطبقاً لواقع حال البشريَّة
مع طوفان كورونا، هي مليارات من البشر الذين وجدوا أنَّ النجاة ستكون فقط في كوخهم الخشبي، في المنزل الشخصي.
لم تشعر البشرية بخطر مشترك كما تشعر الآن، ولم تفكر هذه البشريَّة بتضامن حقيقي كما تفكر الآن بخلاص للجميع.
لكننا بشر، نتبرم، شئنا أم أبينا، من أي مكوثٍ يطولُ به الأمد، فكيف حين يكون المكوث في منزلٍ قسراً واضطراراً!
الهدف الأساس من البقاء بالبيت هو هدف وقائي وفاعل، وهذه مسؤوليَّة شخصية واجتماعيَّة. مسؤوليتي إزاء نفسي ووقايتها من وباءٍ قد يتسرب لي من شخصٍ آخر، ومسؤوليتي إزاء الآخر وحفظه من وباء قد يكون كامناً فيَّ وقد يتسرب لأي آخر.
لكنَّ ملازمة البيوت ترتّبُ على السلطات السياسيَّة والصحيَّة أهدافاً ومسؤوليات أخرى هي أعمق وأخطر من مسؤوليَّة الفرد
المواطن الملتزم بالحظر والبقاء في المنزل. ملازمة البيوت والصبر عليها هي وسيلة وليست
غاية في الحل، وهي وسيلة وفسحة من الوقت إذا ما أحسن
استخدامها فسيكون على
السلطات الكثير مما يمكن أن تُساءل عليه.
تأمين وسائل ومعدات الفحص والاختبار وتكثيرها في مقدمة هذه المسؤوليات المترتبة على الدولة، تأمين عملية الفحص المختبري الدوري المنتظم للمواطنين جميعاً بحيث ينبغي فحص أي مواطن كل أسبوعين مرة، تأمين ما متاح من علاجات وأجهزة تنفس تكفي لأسوأ الاحتمالات، لا سمح الله.
مسؤولية الدولة في مثل هذه الظروف التي لا تحتمل الخطأ هي حفظ الحياة وسلامة المجتمع، ناهيك عما يمكن أنْ يترتب على هذه الظروف، إنْ طالت، من أحوال وتصاريف.
الحياة لن تعود إلى طبيعتها ما لم يتم اكتشاف لقاح ضد المرض أولاً ودواء شافٍ منه ثانياً، وحتى يتم اكتشاف أو اختراع هذين اللقاح والعلاج فإنَّ مسؤوليات الدول هي في تأمين ما يمكن تأمينه من معدات وأدوية وأجهزة تكفي للأسوأ.
تدرك السلطات في الدول هذا، لذلك هي تتسابق ما بينها لتأمين مستلزمات الفحص والمعالجة.
لا ينبغي التعويل حتى على تسطيح المنحنى البياني للمرض في العراق، ليس من الصحيح الاطمئنان حتى مع تصفير الوباء في أي بلد. نسبياً تمكن السواد الأعظم من المجتمع من أداء ما مطلوب منه وهذا ما يضاعف مسؤوليات الدولة وسلطاتها. الدولة هي التي يمكن أن تقول للأسرة المحتمية بالكوخ: «اخرجوا، لقد باتت الغابة آمنة»، هذا ما يكون ممكناً فقط بالقضاء نهائياً على الوباء، وإنْ تأخر هذا فباقتلاع خطر المرض، باللقاح، وتجريده من عوامل خطره.