{كورونا} والانسان

آراء 2020/04/19
...

محمد يونس
 
لقد مرّ العالم بتحولات سياسية عاتية، حين دخل في اطر ما بعد الحداثة، و هناك منعطف غير طبيعي مر به العالم، وتغيرت كثير من المعالم، فالبعد السياسي تغير كثيرا والبعد الاقتصادي ايضا مر بتغيرات مؤثرة، وبنيات المجتمعات ايضا تأثرت كثيرا، وقد تغيرت معالم مهمة، وصراحة تزعزعت قيم كبرى، حيث أن توصيف ما بعد الحداثة يحول مثلث الحداثة الى سياق افقين حيث لا يوجد بعد هناك قمة ولا هناك قاعدة، رغم أن ذلك نسبي – حيث في بلدنا ليس فقط قمة وقاعدة، بل اقرب الى العبادة- وذلك التغير اثر كثيرا في البشر، وتأثر كثيرا الانسان، حيث كان الانسان مركزا في تاريخ الحداثة، وكل الحاجات والافكار تتجه له، وفي ما بعد الحداثة تحولت الفكرة بالمقلوب، وخسر الانسان مركزيته، وبل اصبح تابعا للحاجات، وهنا سياسة ما بعد الحداثة لا تهتم للإنسان بل تهتم للحاجات اكثر منهن وهذا يعني أن أسس السياسة الاقتصاد، واي اقتصاد هو اقتصاد الحاجات.
أصبحت الحاجة قيمة، وهناك صدفة غريبة اكدت تلك الفكرة، حيث أن الاميركان سيطروا على آلاف كثيرة من الكمامات، بالرغم من أنها من اجل البشر المرضى، لكن السياسة الاميركية التي تعد نفسها القطب العالم، و تدير سياسة العالم المتحكمة به اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، تكون أشبه بالقراصنة وتغتصب كميات مرسلة من الصين الى دولة اوروبية، وهذا اشبه بحالة من النكات الغريبة، وهنا قد سقطت لو كان هذا في ايام الحداثة، حيث تلك الفكرة مهينة لهان واي قطب يحرك سياسات العالم واقتصاداته و يسرق اشياء لا قيمة لها اقتصاديا، ويفقد الاهمية الكبرى وأن من يسرق الكمامات هو ليس بمستوى، واذا القراصنة هم يسرقون تلك الكمية من الكمامات، ايضا العالم لضحك عليهم، ولا يمكن نحن في الظرف القاسي، لكن رئيسة العالم تكون لصا وتسرق كمية كبيرة من الكمامات وتوزعها بين مرضاها مرتفعا، وصراحة لسنا ضد الموقف الانساني لكن نهدف الى ما وصل اليه الانسان من سيطرة الحاجات عليه، واصبح هدفا عاريا امام تلك الحاجات، ولا يملك اي سلاح به امكانيات تساعده، بل اصبح ضحية للحاجات، والواقع البشري يؤكد لنا صحة ذلك، ويقر الوجود البشري بأن الحاجة اهم من الانسان، وتلك الفكرة مؤكدة في وجودنا.
اليوم العالم بأجمعه يعيش تحت ظروف غريبة، حيث أن فيروس كوبيد 19 قد غير العالم جملة، فقبله كان العام تابعا ومتبوعا، وكانت اميركا تحرك الكثير من الدول بيدها، وتستثمر ذلك الحراك بالجانب الاقتصادي، حيث هناك دول كثيرة اميركا تتلاعب باقتصادها، وتجني من تلك الدول ملايين الدولارات، واليوم تغيرت الكثير تلك الفكرة، حيث فرضت كورونا على العالم بأن البشرية بأجمعها تواجه مرضا شرسا وبلا دواء، وهذا يعني أن البشرية عزلاء امامه، والحياة اصبحت مجهولة وبلا حراك، و الوباء قد ارعب الناس، اذ فرضت الدول حظر التجول بالشكل العام، وهذا ما فاقم تنازل قيمة الانسان، وجعله بلا قيمة نوعية كما كان سابقاً.
فقد الانسان المنطق الذي كان سابقا يملكه ويتحرك به، حيث عاد الانسان الى أن يكون رقما كما كان قبل أن يتصاعد ايقاع المواطنة بالشكل الذي يفرضه كقيمة، وتنازلت تلك القيمة المهمة للإنسان، واصبح اشبه باي حاجة بلا قيمة نوعية، وان الظروف القهرية التي اسهم بها وباء فيروس كوفيد 19، والذي شغل العالم وارعبه، وجعله الحياة تأخذ شكلا مسكينا الى حد كبير، يبحث عن اي حل مناسب لإعادة الوجود الذي سبق وباء فيروس كيرونا، لكن بعدما اصبح الانسان رقما عاديا لاقيمة له، ما هي الجدوى من الحياة، واعتقد الكثير من البشر سينكس رأسه بعد أن تنتهي مأساة وباء كورونا، وعلى وجه الخصوص في الدول التي بقيت محافظة على قيمة الانسان الى حد معين، و تهتم ببناء الانسان نوعيا، ونتفق الى حدما بأن الانسان فقد الكثير في هذه الظروف قيمته، وأن الصراع صار ليس لصالحه، وسيدة العام هي مثال مناسب، حيث أن الفرد الاميركي خسر الكثير من هيبته ودولته العظمى ايضا اصبحت كما قرصان افريقي واغتصبت كمية ضخمة من الكمامات، وذلك العار النوعي اعرف أن اميركا في ما بعد وباء كيرونا ستخلق ظروفا مثيرة للجدل كي لا نفكر بهذا الموقف الساذج الذي قامت به اميركا، لكن أن الكثير من الاميركان سيعي قيمة سياسة ما بعد 
الحداثة.