عاجل ... وبشرى سارة

آراء 2020/04/20
...

حسين الذكر
 
بعد 8 سنوات من الحرب الطاحنة، أعلن في 1988-8-8 انتهاء مجزرة الحرب العراقية الإيرانية التي أكلت مئات الألاف من خيرة شبابنا، فضلا عن مئات المليارات التي كان بإمكانها إعادة بناء البلد وجعله أفضل من بعض بلدان أوروبا لو وُظّفت واردات النفط للبناء والحياة بدلاً عن شراء الأسلحة الفتّاكة (طائرات ودبّابات ومدافع عملاقة وصواريخ وأمور أخرى كيمياوية ونووية ...) تؤجج ناراً ما زال جرحها دامياً، وقد انتهت الحرب وعاد الجنود بعد سنوات الخدمة العسكرية والقتال، وهم مئات الآلاف تسرّحوا بأسوأ الأحوال نفسيّا وماديّا ومستقبليّا، لم يكن هناك مؤشرا واحدا ينبئ أن الحكومة ستعوضهم عن سنوات العذاب والموت والطاعة العمياء وانفراط عقد الشباب بين المواضع والخنادق والجبهات، لا سيّما لأولاد "الخيابة" منهم. أجبر العراقيون على شدّ الحزام بعد الحرب مباشرة لترشيق الصرفيات العامة، ما ألحق ضررا كبيرا بالجنود وأسرهم، في وقت كانوا ينتظرون تعويضات محتملة. أعلن تلفزيون الدولة الرسمي آنذاك، عبر سبتايتل استمر لساعات عن قرب زفّ بشرى سارّة تصورها الشعب حلما وشعرة من جلد السلطة قد تخفف عنهم ما هم فيه، لكن المفاجاة كانت مخيّبة حينما عرفوا مضمون البشارة (إعلان صناعة صاروخ جديد!)، شكّل خبره صاعقة على الفقراء في ما كانت السلطة وأداوتها ترقص طربا لذلك الإنجاز (الفلتة) الذي كلّفنا المليارات، التي دُمّرت أثناء وبعد حرب الخليج الثانية، أو صفحة احتلال الكويت السوداء.
العراقيون، لا سيّما من خَبِر منهم الحياة وعرف معنى السياسة، ومنهم طبقة السلطة المنتشون في بحبوحتها المتنعمون بسلطانها وكذا الفقراء الذين عليهم العوز والتطوع والقتال والموت والاستشهاد والإعدام والسجون والتهجير والتشرد، يعون جيدا معنى طابور الأجندات فكلّما انتهت أزمة ظهرت أختها أو أكبر منها. هكذا يدور فلكهم منذ عقود. وقد ضحكت كثيرا لمفارقة أشبه بالطرفة السياسية بعد منح المعدمين والمعوزين، في داخل البلد، وفقا لإجراءات وتعهدات تجيز منحهم 30 ألف دينار شهريا، أي أقلّ من 25 دولارا لكلّ فرد من فقراء الداخل، في وقت أعلن عن منح 3 آلاف دولار لعراقيي الخارج قبل أيام، في حين كان الفقراء ينتظرون تخفيف الحظر كبقية الدول العربية والغربية، وإذا بلجنة السلامة والصحة الوطنية تعلن تمديد الحظر حتى بداية شهر رمضان المبارك، في خبر صاعق ضرب الفقراء والمعوزين ممّن يسكنون كل عشرين فرد بخمسين متر، كانوا بقمة الانضباط حتى الآن التزاما بالتعليمات، مع علمهم التام أنّ من يسكنون القصور الضخمة ويملكون المليارات ورأس المال الأكبر أغلبهم يتنقلون بتصاريح وسيارات تخفف عنهم العناء، فهم السلطة وعلى الشعب أن يصبر "عشان سلامة وأمن وخاطر السلطة" قبل أن تعلن القنوات العراقية كافة خبراً (عاجل عاجل عاجل .... ومعها بقية مواقع التواصل وكأنّها مستبشرة بتمديد الحظر وفقا لطريقة العرض والنشر) مرّر خبرا لرئيس منظمة الصحة العالمية في العراق وهو يحذر، بمعنى يهدد بالفهم الشعبي، من خطورة رفع وتخفيف الحظر، وعلى الفقراء أن يلتزموا بيوتهم ويقطعوا زياراتهم ويوسعوا صدورهم ويزيدوا صبرهم، حتى تأذن المنظمات الدولية التي لم نسمع لها أيّ صوت حينما كانت الإعدامات والموت والحروب والحصار والإنفجارات والإرهاب والفساد يحصد أرواح العراقيين بدم 
بارد.