كورونا واهتزاز العِلم

آراء 2020/04/20
...

ريسان الخزعلي
 
في المِحَن والأيام الحرجة التي تُحاصر الحياة وتُحاول إيقاف استمرار إشعاعها وجدواها، يتداعى الإنسان عفويّاً، أو معرفيّاً، حسب الممكنات التأهيلية: الممكنات المكتسبة بالتآلف الاجتماعي البيئي المحدد بالتوارث سلوكاً ومعرفة، أو التدرّج الثقافي العام خارج هذا المُحدد، يتداعى ويستحضر التاريخ بكلّ أشكاله: التاريخ الميثولوجي، التاريخ الديني، تاريخ السحر، تاريخ الفلسفة، تاريخ العلم وكلٌّ حسب المدركات المتشكّلة تبعاً للمكنات التعليمية والثقافية. وهو بهذا الاستحضار/ الاستعادة، ربّما يتشاغل في جانب من هذه المشاغلة لا شعوريّاً مع توصّلات (جيمس فريزر) في كتابه (الغصن الذهبي) إذ التسلسل التاريخي المنطقي لتحولات الإدراك والإعتقاد والوعي: الخرافة والإسطورة، السحر والدين، العلم. وهنا لسنا بحاجة لاستعراض تلك التوصّلات.
عندما اجتاح وباء (كورونا) العالم، مطلع هذا العام، فقد اجتاح الدول المتقدمة علميّاً وتكنولوجيّاً، الرأسمالية منها والاشتراكية، وكذلك الدول التي توصف بالعالم الثالث، الغنية منها والفقيرة، على السواء بعيداً عن السلالات واللون.
إنَّ اللافت للنظر والملاحظة، وقوف العِلم شُبه  العاجز كما يبدو حتى هذه اللحظة في تحليل أسباب وجود وانتشار الفيروس وطرق معالجته على رغم التقدم الطبي الكبير بفعل التطوّر التكنولوجي المتزايد.
لقد عادت المُخيّلة إلى البدايات الحدسيّة التي تعتمد الاحتمال والنظرية: تحضير الفيروس مختبريّاً وانفلاته عن السيطرة، تزايد خطوط الفيض الكهرومغناطيسي نتيجة تطوير الهواتف المحمولة الذكية وتعدد الأقمار الصناعية، ممّا أثّرَ في توازن كهربائيّة الكون ونتج عن ذلك مناخ يساعد على نشوء هذا الفيروس المتجدد. كما أُضيفت تحليلات نظرية بايولوجية وفيزياوية ترتبط بالسلالات البشرية والمناخ وطبيعة جغرافية الأرض، وهكذا جاءت المعالجات الطبية تجريبية لا تتناسب مع هول الفاجعة، ووقف الإنسان متحسراً منكسراً متخفيّاً في المنازل، عائداً للتأويل الغيبي واللاهوتي إذ الخطيئة وعقاب الخطيئة – وهذا يتطلب استطراداً آخر.
إنَّ اهتزاز العلم في مواجهة هذا الوباء الكوني لا يعود أساساَ إلى نقص في طبيعته، وإنّما يرتبط بالكيفيّة، كيفية تسيير وتداول هذا العلم، فما من شك أنّ الرأسمالية لها بريق تكنولوجي، ومثل هذا البريق أصبح طاغياً كي يكسب عولمة المجتمعات كما يرى الفكر الرأسمالي الذي حيّدَ العالم الآن وطوّقه  بقطبيته الحادّة التي تنوي استهلاك المجتمعات بالتسليح الحربي والحروب، كما أنَّ طبيعة الإنتاج الرأسمالي وعلى العكس من طبيعة الانتاج الاشتراكي، تجعل الإنسان سلعةً كباقي السلع الاستهلاكية، إذ لا بدَّ من عامل الربح - من دون التفاتٍ إلى فائض القيمة - الذي يُديم سطوة رأس المال.
إنّ رأس المال هذا، سحب العلم بعيداً عن تضامنيته مع الإنسان في الجانب الصحي، إذ لم تعد للدولة سلطة صحّية مركزية وإنّما أوكلت الأمر كليّاً للقطاع الخاص، وهو القطّاع الأكثر تشاغلاً مع الربح والإحتكار. وهكذا حصلت المفاجأة في نقص مستلزمات الوقاية اللازمة في معالجة الوباء في أكبر دولة هي الأعظم تكنولوجياً وإقتصادياً، ممّا سهّل انتشار الوباء. وهذه ليست المرّة الأُولى التي تواجه فيها أميركا عجزاً في التعامل مع المتغيرات، ومشكلة مصارفها الأخيرة ليست بعيدةً عن الوضوح.
وفي المفتتح الأخير، إنّ  اهتزاز العلم في مواجهة كورونا وغيرها، سيُعيد ترتيب الأولويات الشاغلة منهجاً وتطبيقاً، من أجل حياة  أنقى ووجود أرقى وإنسان أبقى.