عدم الاستهانة

آراء 2020/04/20
...

د. سعد العبيدي
 
صحيح أنّ الدول، بينها العراق، أو بالمعنى الأدق غالبية الدول في عالم اليوم، قد حققت تقدّماً ملموساً في جوانب السيطرة على جائحة كورونا، الوباء الأخطر على شعوبها، منذ عشرينيات هذا القرن، الذي يتسم بالتطور وسرعة القفزات 
الحضارية. 
وصحيح أنّ بعض الدول الكبرى والأكثر تطوراً، مثل الولايات المتحدة الأميركية والصين وألمانيا، بدأت خطوات مدروسة وجادة باتجاه التخفيف المقنّن من بعض القيود التي فرضتها من قبل للحيلولة دون انتشار المرض، وتقييد الحركة والاقتصاد. لكنّها، مع هذا التوجه المسيطر عليه إلى التخفيف، أبقت بعض الإجراءات والضوابط والتقييمات التي تحسبه وتتعامل معه مصدر خطر يهدد حياة مواطنيها وحريتهم، وأبقت علماءها وباحثيها في حالة الاستنفار للدراسة والبحث لاكتشاف المزيد لأغراض الوقاية والعلاج، والسعي من أجل القضاء على آفة شلّت جوانب
 الحياة. 
وصحيح، أيضاً، أنّ العراق، ببعض مؤسساته ووزارة الصحة أعلى هذه المؤسسات، قد بذل جهوداً حثيثة للسيطرة على الجائحة، وحقق إنجازات ملموسة في هذا المجال الحيوي لا يمكن نكرانها، إلّا أنّ بيئة العراق وبناه التحتية، وثقافة الأبناء في قضايا الالتزام والتقيّد بالضوابط والتعليمات تختلف عن باقي المجتمعات البشرية، إلى المستوى الذي يمكن في مجاله القول إنّها من الضعف حدّاً تشكّل الثغرة الأوسع في جدار الوقاية المطلوبة للحيلولة دون تفشي المرض، فالاختلاط، على سبيل المثال، باقٍ في بعض المناطق، خاصة الشعبية منها، ممّا يشكّل بيئة ملائمة لتكاثر الفيروس وانتشاره بين الآخرين، وبعض الطقوس الدينية في الصلاة وزيارة العتبات المقدسة، لم يتم الالتزام بالتوجيهات الصادرة حولها من المراجع والمؤسسات الحكومية كما يجب أن يكون، كما أنّ المستشفيات في حدّ ذاتها تتخلف تقنياً، ومن حيث النظافة والتعقيم، عن حدود السائد علمياً في باقي مستشفيات الدول الأخرى. على هذا الأساس، ولأسباب أخرى تتعلق بطبيعة الإنسان العراقي الميّال إلى القَدرية وعدم إعارة الاهتمام للتعامل الجدّي مع الأخطار المحيطة به، يبقى العراق بيئة خطرة، وتبقى مستويات الخطورة حتى الآن عالية، وتبقى الحاجة من جهة أخرى قائمة وبشكل كبير إلى التحسب والاستمرار في أخذ الاحتياطات حتى تجاوز الذروة التي يؤكد المختصون في الطبّ والصحّة العامة أنّ العراق لم يبلغها بعد. وإلى حين بلوغها، وما بعد عملية البلوغ، يتطلب من مؤسسات الدولة كافة عدم الاستهانة بهذا الداء الخطير، ويتطلب من الإنسان المواطن أن يتحمل المسؤولية ويأخذ على عاتقه المعاونة في عملية الاجتياز، من خلال الإسهام في وقاية نفسه وعائلته أولاً، والالتزام قدوة للـ "غير" بالتعليمات الصادرة من مؤسسات الدولة، وتقديم العون جهد الإمكان، وحسب المتيسر، للآخرين في أمور تتعلق بإشاعة ثقافة الوقاية والتقيد بالتعليمات، وإلى حين تجاوز الأزمة بأقلّ الخسائر 
الممكنة.