مالك مسلماوي
فلسفة الدولة العراقية بعد 2003 العام تبدو غير واضحة المعالم، هذا اذا كانت، ومازال مفهوم الدولة يعاني من التشويش وعدم الاستقرار والثبات في نظريته وغاياته بسبب انتشار مظاهر الفساد وتضارب المصالح بين كتل سياسية أوكلت اليها مهمة قيادة البلد في أخطر مراحله.. أقول هذا في وقت يأمل فيه المواطن الخروج من عنق الزجاجة بعد اشهر من ازمة سياسية خانقة لتشكيل حكومة تعقب الحكومة المستقيلة ..
النصف الآخر هو التعبير المجازي السائد في النظر الى قضية المرأة واهمية دورها في الحياة التي يقودها الرجل في العادة، وعلى مستوى العالم في الغالب لأبعاد اجتماعية تاريخية بيولوجية ... لكن النظم المدنية الحديثة لا تفرق بين النصفين/الرجل والمرأة إلّا بقدر الخبرة والكفاءة والثقافة ومستوى الإنجاز حسب لوائح حقوق الإنسان والدساتير الحديثة ومنها الدستور العراقي بصيغته المدنية المعاصرة، إنما الاشكالية الكبيرة في كوننا دولة مدنية نظريا وغير ذلك عمليا في مرحلة التحول المرتقب من الدكتاتورية والقبلية والمذهبية الى الديمقراطية الناضجة.
أتساءل هنا عن دور المرأة في الحكومة المقبلة، وهل سنشهد تحولا حقيقيا في مشاركة المرأة في قيادة البلد بعد ان فشل كثير من القادة (الرجال) في المهام المسندة اليهم؟ وهل المرأة قادرة على أداء دورها على الوجه الأمثل أم أن الرجل هو صاحب الدور الاول والأخير، وما يعطى للمرأة هو نوع من التكريم الرمزي والتساوق مع الشعارات المناصرة لها في الخطاب السياسي؟.
اذا كانت المرأة نصف المجتمع هو الشعار الذي يردده السياسيون وأبناء المجتمع كافة ويعترف به الجميع، فكيف يمثل (النصف) بوزارة او وزارتين في التشكيلة الحكومية؟ هذا يضعنا امام اجابتين: اما ان المرأة غير مؤهلة للقيادة ولا تمتلك الجرأة في اتخاذ القرار، وهذا يتنافى مع الخطاب السياسي والاجتماعي المتداول، ويدحضه ما أفصح عنه الواقع من ظهور الشخصية الحقيقية للمرأة المتحررة في المجتمع ومنظماته الفاعلة، وفي المفاصل الادارية كافة وفي الفنون والآداب والاعلام.. او ان الرجل تجاوز على حقها وانحاز لذاته المعبّأة بالموروث الضاغط في عدّه سيدا في المجتمع وفي السلطة، والمرأة خاضعة تابعة ضعيفة كما يريدها هو؟ ولربما يعلل البعض ذلك بأن المرأة مقيدة بعادات وتقاليد وأعراف تمنعها من ممارسة دورها والتعبير عن قدراتها ومواهبها على أتم وجه.. ونقول: هذا صحيح.. ولكن السبب ببقائها تحت هذه المحبطات يعود الى (الرجل) نفسه، اذ لم يعطها الفرصة الكافية لتجاوز نفسها والظرف الحاكم، بينما استحوذ هو على الفرص كلها: في البيت والشارع وفي العمل .. وتصدّق عليها بـ (كوتا) برلمانية تكرّس الهيمنة الذكورية الزاحفة من عصور التخلّف والقمع الأسري الذي تفاقم في زمن عنوانه الديمقراطية وحقوق الانسان.
على الرغم من السبعة عشر عاما الماضية والتعويل عليها في التغيير، تعثر البناء الديمقراطي بوجود الفوضى السياسية والصراعات الحزبية وضعف سلطة القانون والمظاهر المسلحة.. فلم يتحقق من الديمقراطية الموعودة سوى هياكل مجردة وخطابات فارغة وبروبوغندا اضعف من ان تصمد امام المد الطائفي الطاغي، فتعقد المشهد وظل دور المرأة هامشيا على المستوى السياسي، ومترديا احيانا، اذ وقعت المرأة تحت تأثير الافكار والخرافات التي وجدت لها تربة صالحة في ظل الموجة الطائفية العاتية ..
الآن.. هل سنستفيد من التجربة؟ هل سنحظى بحكومة بمستوى التحديات الكثيرة ونبدأ من نقطة شروع أخرى مختلفة، ونبني دولة مرجعها القانون تحارب الفساد والفئويات والمصالح الخاصة؟، هل سنضع حدا لوباء الطافية ووباء (كورونا) وبقية (الاوبئة) المحلية كالصراع على المناصب والمكاسب؟!، وهل ستنال المرأة العراقية فرصتها الجديدة في إدارة الدولة؟، هل سنرى عددا أكبر من الحقائب الوزارية المسندة لنساء كفوءات محصّنات بالحس الوطني ومتجرّدات من الحسّ الطائفي والقبلية الضيقة؟.
لقد كشفت لنا تظاهرات تشرين عن شخصية المرأة الحقيقية وعن قدرتها وشجاعتها وصبرها. وما تتمتع به من روح وطنية وايمان بالمستقبل، جيل باهر من الشابات والشباب يضحي بكل شيء تحت العلم العراقي وهو على مستوى عال من الوعي والمسؤولية والحرص على بناء الوطن.. هؤلاء هم قادة العراق الجديد ودور المرأة فيه - سواء أكانت بنتا او أما، طالبة ام عاملة، مثقفة ام بعيدة عن الثقافة.. - هو دور يثير الحب والاعجاب. على الحكومة المقبلة أن ترعى هذه الروح الوطنية وهذا الوعي المنتج، ان تحتضن هذه الطاقات وتضع مطالبهم في اولويات برامجها.. المرأة لاقت ما لاقى الرجل في ساحات التظاهر، العنف والقتل والخطف... وكل انواع العذاب، فعلى رئيس الوزراء المكلف وحكومته الكشف عن مرتكبي قتل المتظاهرين ومن تسبب في ايذائهم ووضعهم امام القانون. وان يكون قريبا منهم فهذا هو عامل مهم من عوامل
النجاح.