الجادرجي وحيداً يُواجه كورونا

آراء 2020/04/22
...

 نوزاد حسن
 

في مقال إنساني يغلب عليه إيقاع الحزن ذكرت السيدة بلقيس شرارة أنّ زوجها ورفيق رحلة حياتها رفعت الجادري كان مصابا بفيروس كورونا. أخبرتها بذلك الممرضة التي تعمل في إحدى مستشفيات لندن، والتي كانت تتابع حالة زوجها الذي كان يعاني من مضاعفات جلطة سبّبت له شللا في نصف جسده الايسر. ويبدو ان وقع الخبر على بلقيس كان صعبا جدا ذلك لان رحلة الحياة التي قضتها بلقيس مع زوجها الذي يواجه مصير موته كانت حياة غنية عميقة يسودها التفاهم التام.
  إذن اختطفت كورونا احد اكبر المعماريين العراقيين الذين اسهموا في اغناء الحياة العمرانية من خلال تصاميمه الشهيرة المتعددة. كما يمكننا الحديث عن قدرة الجادرجي على الكتابة بأسلوب فيه براعة تدل على ثقافة رفيعة. وحين قرأت كتابه "صورة أب" لمست امكانية هذا الفنان عن التعبير بلغة تجمع بين الوضوح والدقة في رسم ظلال حياة الواقع الاجتماعي من حوله.
  لست بصدد الحديث عن هذا الجانب المتعلق بنوعية الفن الذي قدمه رفعت ولا عن كتاباته التي اظنها صارت علامة مهمة لا غنى لاحد عن
 قراءتها.
   في الواقع اشعر بنوع من الحزن الغريب الذي سيطر علي خاصة بعد قراءة مقال زوجته السيدة بلقيس شرارة.
  كان في كلمات بلقيس يقين بان العالم ربما صار اكثر غموضا مما كانت تظن. هذا ما فهمته من المقال. الكلام كله كان يدور على وصف لنهاية زوج ومثقف من طراز رفيع. الايام الاخيرة، والقلق وجلسته امام نافذته وكأنّ كاتبة المقال تروي لنا فصلا من رواية لتشيخوف. لكن هل تحول رفعت الجادرجي الى بطل من طراز خاص بعد ان حاز مجده الدنيوي الذي صنعه طيلة عقود 
وعقود.
  لا اظن ان احدا توقع ان يموت رفعت الجادرجي بهذا الشكل اعني ان يهاجمه فيروس وهو في التسعين من عمره.؟، كما لا اظن ان هناك من فكر ان مياه البندقية ستكون صافية وزرقاء بعد ان اجبر كورونا الجميع على لزوم منازلهم.
  أشياء كثيرة قيلت عن هذا الهدوء الالزامي الذي فرضه فيروس نشط على حياة الناس لكن رحيل الجادرجي يبدو الحدث الاكثر حزنا على الاقل في لغة مقال كتبته زوجته عنه، وهي ترثيه بحب وأسف 
كبيرين.
  ترى هل خسرناه؟، اظن ان هذا السؤال كلاسيكي جدا. فالرجل ترك لنا روحه ومنجزه بين ايدينا. اما رحيله الذي يظهر لكثير من معجبيه على انه لحظة محزنة جدا فإن هذا الشعور هو الحقيقة الأهم في حياتنا.
  من نافذة غرفة مطلة على نهر التايمز كان رفعت ينظر الى الناس هناك، ويجيب عن اسئلة زوجته بلقيس شرارة دون ان يلتفت اليها. وكان يقول لها هناك عالمي. هي قالت هذا عنه. ومن المنطقي ان افكر ونحن ما زلنا نخوض غمار حرب كورونا طارحا هذا السؤال الذي قد يبدو متسرعا: هل كان في نظرة الجادرجي اي شعور بالحسد لانه سيغادر العالم وهناك من يسير على قدميه. بلا شك هذه نظرة وجودية لكنها كما اظن اننا نواجه مواقف ترسمها لنا كورونا بدقة 
متناهية.