تخليق صورة الكاظمي

آراء 2020/04/23
...

محمد خضير سلطان

بعد ما يقرب من العقدين من الزمن، اتخذت وسائل الاتصال والتواصل بمختلف جهاتها عندنا، أكثر من اتجاه للتأثير في أذهان الجمهور، على سبيل المثال، حينما تجري مفاوضات ترشيح رئيس مجلس الوزراء بالتداول بين البرلمان والرئاسة، تظهر هذه الاتجاهات بأجلى صورها في سعي حثيث من جميع أطرافها الممثلة للطيف السياسي في أنْ تتظاهر بالتأمل وإبداء السكوت قليلاً حتى تتحرك بالطريقة التي تضمن امتيازاتها ومغانمها وتحقيق الرقم التفاوضي الصعب الذي لن يتخطاها ودونه خرط القتاد كما يقال.
هذه هي القاعدة الأولى الأساسيَّة التي تحاول الأطراف تمويهها وإخفاءها ولا تمثل صورة"التأثير" في الأذهان، وغالباً ما يعمّد القائمون على وسائل الاتصال حجبها وتجاهلها وتخطيها نحو تأليف مشهد قبولي وإرضائي، ينشد بناء صورة شخصية عامة للمرشح، يشترك في رسمها وتخليقها جميع الأطراف مثلما حدث في شخصية عادل عبد المهدي كونه كاتباً ضليعاً ينتظر بشغف تحويل كتابته النظرية المتراكمة الى تطبيق عملي ومستقل، يدشن وزارته بعد انفراطها من الأحزاب، وورقة استقالته في جيبه بوصفه زاهداً تولته الوزارة دون أنْ يسعى إليها خبباً وما شابه ذلك كثير.
ويجري الآن بشكلٍ واسع تخليق صورة "تأثير" للمرشح الجديد الكاظمي على غرار أنموذج عبد المهدي، وليس من المهم ذكر ملامح الصورة فهي ربما واضحة ومتداولة لدى الجمهور لكن من المؤكد بأنَّ القائمين على صناعتها جاهزون في ما بعد حتماً للضغط على إزرارات الحذف والتخييب والتنصل إذا لم يكن منتبهاً مثل سلفه ويعمل بحق على تخطي هذه الصورة وإيقاف أغراضها المبيتة.
وعبارة صورة "التأثير" هنا، قد تعني أيضا حسب باحثين، التضليل والتوجيه وتغيير القناعات وتسطيح الذاكرة والتحايل على الوقت وإخفاء حقيقة المغانم والامتيازات الجهويَّة على حساب العدالة العامة ومن ثم تعني قابلية السيطرة من قبل القائمين على صناعة وسائل الاتصال والتواصل على متابعة مبتغاهم في تمرير التوجهات السياسية والحفاظ على رصيدهم الجماهيري أو التحويل السلس الى منعطفات جديدة تبعاً للمتغير السياسي، غير أنَّ الذي يحكم ويتحكم في بناء التأثير وتشكيل صورته المحلية في العموم، هو الشكل التشريعي والقانوني الهش للعلاقة بين وسائل الاتصال الإعلامية وإعلام الدولة وبين الجمهور، فحرية التعبير وعملية تحصيل المعلومات وتطبيع النموذج الديمقراطي وفق المعايير التنظيميَّة في اللوائح الدولية للتغطيات وغيرها لما تزّل رهناً بالتفسير الطيفي للمادة 38 في باب الحريات من الدستور ومقيدة بسريان التشريعات السابقة عليها قبل التغيير.
وبذلك لم يكن بوسع الإعلام العراقي التغلب على منصات التأثير وتضليل الأذهان إلا بالاهتمام المباشر وتقديم الدعم الواسع لإعلام الدولة عبر مؤسساته العامة التي تنظمها مكاتب حكوميَّة معينة على نحو لم تخرج فيه عن الموقع الذي لا يجعلها بعيدة عن التأثير والتخليق نفسه وبنقطة ما خارج الدائرة كما هو لدى وسائل الأطراف السياسية، ولم تعمل في الأقل على استعادة السيطرة في أولوياتها لدى الجمهور.