المعالجة الوقائيَّة من جرائم العنف الأسري

آراء 2020/04/23
...

ناصر عمران
 
لم يكن السلوك العنيف وليد ظرفية زمنية او مُحدد جغرافي او مُنتج اجتماعي معين او طارئ أوجدته ظروف معينة اتصف بصفاتها وحمل خصائصها فصار علامتها المميزة، انما هو وجودية فردية مترسخة في الذات البشرية وجدت معه، تظهر للوجود حين تجد مناخات نشئها وانتشارها وتضعف ويصيبها الوهن كلما اختفت تلك الظروف والمناخات، والعنف طبيعة لا تطبع وهو: سلوك معنوي أو مادي يستخدم القوة لإلحاق أذى بالآخرين، ويتمثل في الاستخدام العنيف للقوة ضد الاشخاص، وهذه القسوة قد تكون جسدية أو نفسية وتسبب جروحاً بدنية ومعاناة نفسية. والعنف من أهم القضايا المحورية التي تواجه المجتمع ويقف أمامها دعاة المدنية والسلام والتحضر بكثير من الحيرة فهو قد يكون منتجاً عرفياً أو عادة اجتماعية وقد يحدث نتيجة حالة إحباط نفسي شديد وهو يضرب بنسب متفاوتة المجتمعات البدائية والمتحضرة وليس هناك مجتمع مهما بلغت درجة تطوره ورقيه الاجتماعي خالٍ من آفة العنف. وتعود أسبابه إلى دوافع ذاتية تتكون في نفس الإنسان وعوامل وراثية ودوافع اقتصادية كالفقر والبطالة أو دوافع اجتماعية ويلعب الوسط البيئي ومستوى الثقافة والوعي لدى الافراد دورا كبيرا في ذلك، والعنف انواع منها: العنف المادي وهو استخدام القوة الجسدية بشكل متعمد تجاه الآخرين بهدف إيذائهم وإلحاق الضرر بهم سواء بالضرب أو القتل أو الاغتصاب و العنف المعنوي ويتجلى في منع الفرد من ممارسة حقه بحرمانه من التعبير عن أفكاره إضافة إلى استخدام عبارات الإهانة (التحقير والقدح والشتم).
والعنف الأسري ويقع نتيجة تدهور العلاقات الأسرية داخل البيت خصوصاً بين الأزواج، ما يؤثر بشكل سلبي في الأبناء وهناك أنواعٌ أخرى من العنف كالعنف المدرسي والاقتصادي والسياسي ولكن العنف الأسري من أخطر انواع العنف بحسب طبيعته النوعية كونه يشكل انتهاكاً صارخاً لروحية العلاقات الاجتماعية فالأسرة المنتج والرافد الاجتماعي لهيكلية البنى الاجتماعية وكلما كان البناء الاجتماعي سليماً كان المجتمع رصينا وقويا والعكس صحيح، ويبدو أنَّ الاسرة العراقية واجهت تحدياً كبيراً في الدفع بعلاقاتها الاجتماعية ايجاباً وسلباً في ظل مران العلاقات الاسرية بمناخات الحجر الصحي الذي فرضه فيروس كورونا، ولقد أعطت النسب المتحققة انطباعاً مهماً خلال الفترة الماضية للحجر.
إنَّ مجتمعنا بحاجة الى تقوية دعائم الأسرة العراقية بتفعيل المواد الدستورية التي تلزم المؤسسات القانونية للدولة بسلطاتها الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بدعم الاسرة ورعايتها وتحقيق العيش الكريم لأفرادها، بالمقابل لا بدَّ من عمل بنيوي يعزز ثقة الأسرة بمعتقداتها وعاداتها الاجتماعية الإيجابية ويمنح دفقاً من الوئام والتراحم والمحبة الاسرية كمعالج وقائي للعلل والامراض الاجتماعية المرافقة للتطورات التقنية والالكترونية وتشذيب الصالح منها وترك الطالح وكل ذلك لا يمكن ان يتحقق إلا من خلال فضاءات إعلامية منهجية ومدروسة تبعث الطاقة الايجابية وتنتصر للعلاقة الاسرية التي تجمع الاب والام والزوج والزوجة والابناء والعلاقة في ما بينهم.
إنَّ تصدع العلاقات الاسرية وتفكك بنائها الاجتماعي انتج زيادة ملحوظة في نسب الطلاق وإسقاطات ذلك على كيان الاسرة فقد ارتفعت نسب الجرائم الاسرية - ان صحت التسمية - وكلنا يرى الاعتداءات التي يتعرض لها الآباء والامهات والزوجات والابناء والبنات والتي ينتج عنها في احيان كثيرة ومع شديد الاسف جريمة الانتحار وخصوصاً النساء، وأهم أسبابه التعرض للعنف المنزلي.
إن الحلول والمعالجات الوقائية هي الاكثر نجاعة من التنظيم القانوني القسري والعقوبات القانونية والتي لا يمكن أنْ تكون حلاً فهدف العقوبة هو الردع العام الذي يختفي عند حدوث الخلافات والمشكلات الاجتماعية داخل الاسرة الذي عززه القانون بالانحياز الى الحق الشخصي على حساب الحق العام في قضايا العنف الأسري بين الاصول والفروع والازواج، بل إنَّ كثيراً من المواد العقابية بحاجة الى وقفة لإعادة صياغتها وتأهيلها قانونا لمواءمة العصر الحالي وبعضها لا بدَّ من إلغائها ووجود قانون للعنف الأسري ضرورة لكنه لكي يعطي نتائجه الايجابية لا بدَّ من تحقق ضمانات اجتماعية واقتصادية وثقافية.
إنَّ خلق منظومة وقائية للحيلولة دون وقوع وانتشار جرائم العنف الأسري يتأتى من خلال رؤية مزدوجة يكون فيها الجانب الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتربوي جنباً الى جنب منتصراً لعلاقات أسريَّة إيجابيَّة قائمة على الود والاحترام والتفاهم الخلاق القادر على استيعاب الخلاف والاختلاف في فضاءات الحرية المحددة المنبثقة من الخصائص المميزة للأسرة العراقية وبشكل عملي يشعر فيه الجميع بضرورة التراحم والاحترام للنأي بالأسرة والمجتمع في ما بعد من جرائم العنف الاسري.