لم تترك حركة البحث العلمي حتى روح المجتمع فتعرض الكثير من دعائم الاستمرارية والاستقرار خصوصا تلك المؤسسة على المفاهيم القديمة التي عليها استقر قلب المؤسسة الاجتماعية بكل ثقله للتشكيك والاستجواب خلال الكشوفات عنيفة الاثر التي جاء بها البحث العلمي. لقد هدت مكتشفات الجيولوجيا والفلك البعد الزمني الصلب والمؤسس على شواهد من المتغيرات التاريخية الاجتماعية والسياسية والتربوية، اذ القت العصور الجيولوجية المتواصلة للبحث في دراسة وتحليل الواقع الاجتماعي الانساني ذلك باستخدام (جدلية التطور الاجتماعي العقلية المتحررة للعلوم الاخرى). فقد اصبح استجواب المسلمات اللاهوتية تيارا لا يمكن السباحة ضده.. وفضلا عن كشفها عن حضارات (سومر وبابل واشور) الموغلة في العمق التاريخي القديم. لقد برز فضلا عن ذلك عدد كبير من المؤرخين الاجتماعيين الذين حاولوا تحرير التاريخ الاجتماعي علما وفنا وتطورا من اهتماماته التقليدية بحياة الملوك والاسر الارستقراطية، ذلك ان التاريخ الانساني الجديد بحث عن نظائر وانماط كانت حاسمة بقدر تعلقها بمصير تلك المجتمعات التقليدية .. وحيث أنّها استقطبت شيوعا أعظم فإنّ فكرة الدورية التاريخية (بونيوسيتي) نوع من الجارية بتناوبات كانت واحدة من نتائج الانتقالية النوعية في الاهتمام، وتمثل إنشاء الدراسات التاريخية في ذلك البحث المعاصر الدائب عن الجذور لحقيقة لتركيب التكوين المجتمعي محاولات لادراك كيفية تكون الحاضر لمعرفة مؤداه. الحركة الاجتماعية الملحة الى الامام والتي بدت وكأنها لا تقاوم وحدث ما يقابلها من تيار مبني على الافتنان بالماضي كتاب (جون مورلي) الاهتمام المعاصر السائد بالاصول، إذ يتعرض لهذه الاتجاهات واسعة الانتشار والمتمثل بتتبع اية ايديولوجية او يقين على اشكاله التاريخية في محاولة لربط تطور دعائم (المجتمع المدني المتحرر).
وانعكاسا للاثر النافذ للولع بالتقدم جاءت المحاولات المتنوعة لتأسيس روابط التواصل ضمن اطار هذا التكوين الاجتماعي الانساني العريق. وقد تجسدت هذه المحاولات بالحركات الاحيائية المختلفة الاغريقية الوسيطة، حركة عصر النهضة. وكلما تسارعت حركة التغيير الاجتماعي زاد المفكرون من بحوثهم الحثيثة عن ملاجئ أمينة في وجود كان يبدو اكثر سكونية. وعلى الرغم من التسليم بالحاجة الماسة (للاصلاح) فان الكثير من المفكرين وعلماء الاجتماع اكدوا على النمو التطوري والتدريجي للتاريخ الانساني، وذلك جدلا ضد (العنف الدموي
المتربص).
ومع هذا لن تتسع بمبادرة التقدم التي اعمت البصائر للكثير من المفكرين والباحثين فقد ظهر لعدد من النقاد الاجتماعيين ان هناك اتصالا وثيقا بين التقدم والنهايات السلبية لتكوين البنى التحتية الاجتماعية. لقد ربط الفكر الاجتماعي الام الامة والمجتمعات بظهور طبقة عليا جديدة لا تحركها سوى معادلة المتعة والسيطرة والاستحكام فقد تلاشى الشعور بالمسؤولية تجاه الشعب وتجاه النظام المجتمعي المتضامن، ورادف التنافس فكرة الفوضى والارتباك والاستقرار المهدد كما هو حاصل في العراق منذ العام 2003. ان تجربة الوجود الانساني في تكوينه المجتمعي المتنوع لنوع من الجريان الابدي وغير المتقد، فان الانسان كيان شائك معقد للغاية يكتنفه الغموض وتحركه قوى واقدار لا يمكن عقلنتها .. ومن ثم يمكن التكهن بمساراتها نحو اللامعقول .. ان لم تكن هناك قوة ارادية وطنية خصبة لتغييرها نحو الخلاص ومتابعة السلوك العام للدولة والمجتمع وفق أسس متطورة تواكب ركب التقدم المطلوب.