زهير كاظم عبود
تبعث في النفس الحزن والكآبة والخوف، ونحن نصارع عدوا مخفيا لا نراه، نقاوم بجهود بشرية غاية في الشجاعة والتحدي والصلابة، يتقدم الصفوف ملاكاتنا الطبية ليسجلوا موقفا وطنيا وإنسانيا يليق بهم، والجميع يترقب بقلوب خاشعة أن نستعجل إيجاد اللقاح والعلاج للحد من انتشار هذا الفيروس الغادر، حددنا في البيوت وسلب منا حريتنا بالسفر والتنقل واللقاء بالأهل والأصدقاء، وحرم أخوة لنا من اعمالهم ومصادر قوتهم وأسرهم، وحرم الطلبة من الدوام بمدارسهم وكلياتهم، وعطل منا مواسم الفرح وربيع نيسان، ومنع تجوالنا داخل المدن، وحرمنا من حرية اللعب والتمتع بمشاهدة مباراة كرة القدم.
ومع كل تلك السلبيات والمحددات التي جلبها لنا هذا الفيروس، فإنّه علّمنا دروسا بليغة لا بدَّ لنا أن نستثمرها، ونعيد نمط حياتنا وعاداتنا وغذائنا، وضمن تلك المحددات جعلنا نجتمع مرة أخرى في بيوتنا مع الأهل، وان نتسامر ونتلاقى يوميا داخل بيوتنا، لجأنا الى قراءة الكتب التي غادرناها لضيق وقتنا، واتحفنا التلفزيون بمشاهدة أفلام ممتعة ماكنا نحسب أننا سنشاهدها قبلا، تعلّمنا أن لا قيمة للمال تجاه الصحة والعافية التي يجب ان نحافظ عليها، وأننا يمكن ان نتعلّم الالتزام بالقوانين والأنظمة التي تطبقها الحكومة، وان المصلحة الوطنية موقف ضميري ينبع من حرص المواطن على أن يكون في بيته، حتى لا يصاب بهذا الفيروس إن كان سليما، وحتى لا يصيب غيره أن كان مصابا دون ان يدري، تعلّمنا أن لبناتنا وأخواتنا وزوجاتنا وجهات نظر علينا أن نستمع إليها، وان نتعلّم منها، وان نتعاون كلنا في إدارة بيوتنا، وتنظيم أيامنا، وان نتعلّم كيف نتحدى الخطر ونتسلح بالمعرفة، وان لا نلتفت للشائعات والأخبار التي تهد من عزائمنا، وتشيع بيننا أخبار انتصار الفيروس على البشرية، وأن نتعاون مع قواتنا الأمنية في تطبيق حظر التجوال، وهم يعيشون وسط أجواء الخطر حماية لنا وحرصا منهم علينا، وأن نؤجل كل قضايانا غير الملحة وغير الضرورية هذه الأيام، نعيد بناء الأسرة التي شتت التكنولوجيا جلساتها، فننشر المحبة والاحترام بيننا، وتعلّمنا أن المعقمات والمبيدات والمطهرات لهذا الفيروس يمكن لنا أن نصنعها في بيوتنا، وأن نحرص على أن تكون بيوتنا نظيفة وأنيقة، وان لنا جيرانا يحتاجون منا العون والمساندة، وأن بيننا من تقطعت به السبل.
ما ولّده الفيروس من ايجابيات أنّه وحّدنا في الموقف والمواجهة، وعطل خلافاتنا، واجبرنا على التسامح والتراضي، وان يتفقد كل واحد منا أخوته وأصدقاءه، وأن الأطباء والملاكات الصحية ورجال الأمن والمتطوعين جديرون بالاحترام والمحبة، علمنا الفيروس على الاقتصاد والارتقاء بالشعور الوطني، لم نتدافع ولم نتزاحم على الأسواق، ولم يجنح أحد منا الى أن يخزن المواد الغذائية إيمانا منا بأنّنا لا بدّ وأن ننتصر على هذا الدخيل الذي يتحيّن الفرص للانقضاض علينا، زيادة الوعي الذي انتشر بين أطفالنا وبيوتنا دليل آخر على أنّنا سننتصر، وكانت قد مرت قبل هذا الفيروس اللعين على العراق، أوبئة وأمراض تمت مواجهتها والقضاء علينا، علّمنا هذا الكورونا أن نزيد من تلاحمنا الاجتماعي، وأن نزيد من تحملنا وصبرنا، ونحن نفقد أحبة لنا، إلّا أنّنا نحافظ على الباقين بكل الوسائل الممكنة، وأن اللقاحات والدواء المضاد لهذا الوباء لا بدّ أن تصلنا في اقرب فرصة، وان هذا الوباء لايمكن أن يعطل الحياة.
هذه الأيام يكتشف فيها الموسرون والأغنياء من أهلنا قدرتهم على العطاء، وتربيتهم الحقيقية كعراقيين أصلاء، وبهذه الأيام أيضا تعلّمنا أن التعاون الاجتماعي لا يقتصر على المحن والأوقات الصعبة، ومعيار المجتمعات الناجحة في إدامة مثل تلك العلاقات، ولا تقتصر على فترة الحجر الصحي المنزلي، فنحن نواجه حربا عالمية يخوض فيها البشر صراع المواجهة مع فيروس كورونا، وعلينا بعد ان ننتصر أن نتسلّح لمواجهة غيره من الفيروسات ونحن نعيش في عالم ينتهك الطبيعة، ويلجأ الى استعمالات مفرطة للهواتف والانترنت، فضلا عن استعمالات الكيمياوي في غذائنا وشرابنا وهوائنا. علينا أن نتسلّح بالأمل وأن لانستهين بقوة وغدر هذا الفيروس، وسننتصر بإرادة الخيرين من أبناء شعبنا