فتح مكة.. أعظم الانتصارات في رمضان

اسرة ومجتمع 2020/04/29
...

كان الرسول الاكرم (ص) يرى في المنام أنه سيدخل بيت الله حاجا ومعه المهاجرون والأنصار وبقية الناس. حتى جاءت حادثة الغارة البكرية على بني كلب حلفاء الرسول (ص) لينطلق بعدها الزحف المقدس بانذار قريش بأنه سيأتي بجيشه الضخم من أعلى مكة حتى أسفلها ليرى الكفار حجم جيشه ويتجنبوا قتاله. وقد نزلت سورة براءة التي كانت موجهة لتطهير المدينة المقدسة من الكفار بالله وتنذرهم بحرمانهم منها، فدفعها الرسول (ص) إلى الكفار وطلب من علي بن أبي طالب (ع) أن يبلغ بها نيابة عنه 
(ص).
كانت راية الأنصار مع سيد الأنصار سعد بن عبادة. ودعا الرسول (ص) الأنصار فجاؤوا يهرولون، فقال: «يا معشر الأنصار، هل ترون أوباش قريش؟»، قالوا: "نعم"، قال: «انظروا إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا»، وأخفى بيده ووضع يمينه على شماله وقال: «موعدكم الصفا».
دخلت قواتُ المسلمين مكةَ من جهاتها الأربع في آنٍ واحدٍ، ولم تلق تلك القوات مقاومة تقريباً، وكان في دخول الجيش من الجهات الأربع ضربةٌ قاضيةٌ لقريش، حيث عجزت عن التجمع، وضاعت منها فرصةُ المقاومة، وهذا من التدابير الحربية الحكيمة التي لجأ إليها الرسول (ص)، فلم يستطع المشركون المقاومة، فاحتل كل فيلق منطقته التي وُجّه إليها، في سلم واستسلام.
ودخل الرسولُ (ص) مكةَ وعليه عمامة سوداء بغير إحرام، وهو واضع رأسه تواضعا لله، حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، ودخل وهو يقرأ سورة الفتح مستشعرا بنعمة الفتح، وإفاضة النصر العزيز، وكان ذلك صبح يوم الجمعة العشرين من رمضان، في السنة الثامنة من الهجرة. 
وأصبحت مكة وقد قيّد الرعب حركاتها، واسترخت تجاه قدرها الجديد، فاختفى اهلها وراء الأبواب الموصدة، ولاذ بعضهم بالمسجد الحرام يرقبون مصيرهم وهم واجمون. فكان الجيش الزاحف يتقدّم ورسول الله (ص). ولما دخل الحرم خرج الناس ينظرون اليه حتى جاء الكعبة وفي يده قوس فطاف بها، وكان حولها وفوقها 360 صنما، فجعل يطعنها بالقوس، ويقول: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» «جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ» والأصنام تتساقط على وجوهها، وأمر بالتماثيل فكسرت. وظل (ص) يطوف ويكبَّر في نواحيه ثم صلى، ولما تم فتح مكة، قال الأنصار فيما بينهم: "أترون رسول الله إذا فتح الله عليه أرضه وبلده أن يقيم بها"، وهو يدعو على الصفا رافعا يديه، فلما فرغ النبي (ص) من دعائه قال: «معاذ الله المحيا محياكم، والممات مماتكم». فأقام (ص) بمكة تسعة عشر يوما، يجدد معالم الإسلام، ويرشد الناس إلى الهدى والتقى، وخلال هذه الأيام أمر أبا أسيد الخزاعي، فجدد أنصاب الحرم، وبث سراياه للدعوة إلى الإسلام، ولتحطيم الأوثان التي كانت حول مكة، فدمرت كلها، ونادى مناديه بمكة: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا 
كسره".
 
المهدور دمهم
أهدر الرسولُ (ص) يومئذ دماء تسعة أفراد من المشركين، وأمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة، وهم: عبد العزى بن خطل التميمي، وعبد الله بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن نفيل بن وهب، ومقيس بن صبابة الكناني، وهبار بن الأسود القرشي، ومغنيتان كانتا لابن خطل، كانتا تغنيان بهجو الرسول، وسارة  التي وجد معها كتاب حاطب بن أبي بلتعة الذي أفشى للمشركين بسر المسير إلى مكة. 
ومن هؤلاء من قُتل مثل ابن خطل ، ومنهم من جاء مسلما تائبا فعفا عنه الرسول (ص) مثل عكرمة بن أبي جهل، وأما ابن أبي سرح، فجاء به عثمان بن عفان (أخوه في الرضاعة) إلى النبي (ص)، وشفع فيه فحقن دمه بعد تردد، وأما الحارث فكان شديد الأذى للرسول بمكة، فقتله علي (ع)، وكذلك مقيس بن صبابة، وأما هبار بن الأسود فهو الذي كان قد عرض لزينب بنت الرسول حين هاجرت، فأسقطها جنينها، ففر يوم مكة، ثم أسلم، وأما المغنيتان فقتلت إحداهما، واستؤمن للآخرى، فأسلمت، كما استؤمن لسارة 
وأسلمت. 
نال أهلُ مكة عفوا عامّا رغم أنواع الأذى التي ألحقوها بالنبي (ص) ودعوته، وقد جاء إعلان العفو عنهم وهم مجتمعون قرب الكعبة ينتظرون حكم الرسول (ص) فيهم، فقال: «ما تظنون أني فاعل بكم؟»، فقالوا: "خيرًا، أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريمٍ"، فقال لهم: إذهبوا فأنتم الطلقاء. كان من أثر عفوه عن أهل مكة أن دخل الجميع في الإسلام طواعية واختيارًا، وبرفع راية الإسلام فوق مكة دخل الناس في الإسلام أفواجاً ونزلت سورة النصر، وبايع الرسولُ الناس جميعا، وبدأ بمبايعة الرجال، فقد جلس لهم على الصفا، فأخذ عليهم البيعة على "الإسلام والسمع والطاعة لله ولرسوله في ما استطاعوا".