رحلة بين المجالس الأدبيَّة حاضراً وماضياً

ثقافة شعبية 2020/05/01
...

عبد الكناني 
 
ذكر العلامة الدكتور حسين علي محفوظ في تقديمه لكتاب الدكتور سلمان القيسي الموسوم - من حديث المجالس الأدبية والمنتديات الثقافية في بغداد - الصادر عن سلسلة منابع بدار الشؤون الثقافية ذكر. كانت المجالس تزين البيوت والمنازل في الليالي والأماسي وفي الجمعات، وكانت مجامع تجمع الأفاضل والأماثل والعلماء والأدباء والشعراء والظرفاء يرتادها الأعالي والأكابر وينتجعها السراة والأخاير ويلتقي فيها الكبراء والأعزة يؤلف بينهم الادب وتشدهم الثقافة ويربطهم الفكر على اختلاف الأديان والمذاهب والمشارب والمعتقدات.
واضاف «كانت المجالس من مرايا الوحدة الوطنية، إذ إنَّ الوحدة الوطنية غاية كبرى نسارع جميعاً إليها ونحافظ عليها، واذا اختلف الناس - والاختلاف طبيعي - فإنَّ المجالس كانت من أسباب التعارف والتآلف ومن مظاهر الوفاق والاتفاق، كان أصحاب المجالس وأركانها وروادها ومرتادوها من أمثلة التحاب والتواد والاخوة والصداقة وبغداد هي أم المجالس والمدارس والمجالس.
 
توثيق
وجاء في إضاءة الدكتور حميد مجيد هدو قراءات بعض فصول الكتاب فوجدت أنَّ الدكتور قد وصف لنا الشيء الكثير مما يحدث في تلك المجالس وذكر أسماء بعض الحضور والمحاضرين وبذلك يمكن أنْ يعد عمله هذا مسحاً ميدانياً توثيقياً وعمله هذا يمكننا أنْ نضعه الى جانب من كتب وارخ للمجالس أمثال إبراهيم الدروبي ويونس إبراهيم السامرائي وحسين حاتم الكرخي وعباس بغدادي وغيرهم. وأعتقد أنَّ هذا الجهد سيكون في المستقبل مصدراً ومؤشراً نافعاً لكل من يروم الوقوف على الحركة الثقافية من خلال المجالس البغدادية المعاصرة.
 
ربوع زاهرة
وفي كلمة للباحث عدنان عبد النبي البلداوي حواها الكتاب بين فيها أنَّ بغداد الحضارة تشهد اليوم جمهرة من المجالس الثقافية العامرة باهلها وروادها ومما يضفي على أجوائها من بهجة وسرور هو ذلك التنوع المعرفي والفكري حتى كانك في روض تتسابق فيه اكمام الازهار بالتفتح لتوصل إليك نكهتها فهنا مجلس متخصص ببغداد الماضي والحاضر، وهناك مجلس تتألق في أجوائه المحاضرات العلمية والأدبية وآخر لتكريم نخبة من العلماء والادباء والاطباء والفنانين، وآخر لإبراز الجوانب الفنيَّة والتقنيَّة،  فأينما يولي المثقف وجهه صوب تلك الربوع المعرفية يجد قطوفا دانية ومن الصفاء والنقاء كؤوساً مترعة، تشرق بوجهه في كل أمسية من أماسيها طلعة علمائها وأدبائها وشعرائها ومؤرخيها وفنانيها، ويمضي يرتشف من رحيق هذه الربوع الزاهرة ما يذكي في جوانحه جذوة عشق الكلمة الطيبة المعبرة عن الحقيقة.
 
مجالس معاصرة
ويقول الدكتور سلمان القيسي مؤلف الكتاب: «بمرور الزمن أخذت تتحقق تجمعات مباركة أخرى بفضل مقام أهل البيت الأطهار عند الله تعالى، حيث اللقاءات السنوية في المناسبات الخاصة بهم عليهم السلام وذلك بوفود المسلمين الى المدن المقدسة بأعداد تقدر بالملايين، وبفضل ما خلفه التراث العربي الإسلامي من معارف علميَّة وأدبيَّة تحتاج لبحث ومناقشات بما يقتضيه الحال المعاصر ولدت مجالس معاصرة لتؤدي دورها المشرف في خدمة العلم والمعرفة وها هي المجالس المباركة تنتشر اليوم في بغداد وبعض مدن البلاد تلتقي فيها الشريحة المثقفة من أدباء وشعراء وباحثين ومؤرخين واكاديميين ونخب اخرى وعشاق الكلمة.
واختار كل مجلس اليوم 
الذي يناسبه في الشهر يفتح 
فيه أبوابه وبعضها اسبوعية لرواده والمهتمين بهذا الحراك النافع.
 
احتفاءات بزوار البلاد
ويأخذنا برحلة ممتعة الى بعض مجالس بغداد الثقافية مستعرضاً تاريخها ودورها في الحركة الثقافية في البلاد، ويشير الى توقف نشاط بعضها لأسباب متعددة بينما تواصلت أخرى واتسعت في أنشطتها واهتماماتها، وروادها وتميزها في فعاليات معينة مواكبة للأحداث والمتغيرات ومستقطبة زوار البلاد من أهل الأدب والفكر والسياسة والآثار والتاريخ والرحالة الأجانب، فمثلاً احتفى مقهى الزهاوي الذي كان يعد مجلساً ثقافياً وليس مقهى احتفى بشاعر الهند الكبير طاغور عند مجيئه لبغداد.
واستقبل مجلس السيد هبة الدين الشهرستاني عدداً من المستشرقين الذين زاروا بغداد من بينهم السنيور كارلونالينو الإيطالي أستاذ علم الفلك بجامعة القاهرة آنذاك والفرتسي لويس ماسنيون أستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة السوربون بباريس والبروفيسور الالماني يوسف شاخت استاذ الادب العربي بجامعة برلين ومجموعة اخرى.
 
شوقي ضيف
وكان لمجلس الوزير عبد الرزاق محيي الدين الذي تأسس في العام 1934 في بغداد دورٌ موسوعي ثقافي في نظرته وطرحه للأمور الثقافية والسياسية والاجتماعية والدينية، وكان رواده كبار السياسيين والادباء والمثقفين والاكاديميين ووجوه المجتمع.
وفي 1955 انتقل مجلس الشعرباف من الشطرة في الناصرية الى بغداد في منطقة الكرادة بانتقال مؤسسه الحاج حسين الشعرباف وواصل نشاطه الثقافي المميز واستقطب النخب العلمية والثقافية وضيف في إحدى جلساته المستشرق البروفيسور وود.
وحضر لمجلس الدكتور حسين علي محفوظ المسمى بـ»ندوة الثلاثاء» الدكتور شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة والمستشرق ريجارد نلسن من جامعة هارفارد والبروفيسور الكندي ادمس وزوجته الى جانب رواده ومن بينهم الدكتور علي الوردي والدكتور حسين أمين.
 
ظاهرة جميلة
وتطول الرحلة الى مجالس بغداد الثقافية حيث مررنا بصحبة المؤلف بمجالس محمد رضا الشبيبي وناجي طالب والندوة العزية والجادرجي وجلال الحنفي والخاقاني والربيعي وشرقية الراوي وحمدي الاعظمي والمخزومي ومنتدى الجوادين الادبي ومكي السيد جاسم وال القاموسي والملتقيات والمنتديات التابعة لبعض النوادي الاجتماعية والمؤسسات، وأطلعنا المؤلف على الكثير من أسرار هذه المجالس والصعوبات التي واجهتها في استدامة أنشطتها، إذ كان من بين تلك المنغصات تواجد رجال الأمن فيها، ما سبب إحراجا أدى لتوقف بعضها تجنباً لأذى الرواد الذين يفدون للمجلس.
لقد أصبحت المجالس والمنتديات في بغداد من 
معالم بغداد لكثرتها 
وتنوع أنشطتها وفعالياتها وكذلك تنوع حضورها 
وروادها وشكلت ظاهرة جميلة وأضافت لملامح بغداد رونقاً وألقا وبهاءً، ما أجبر رؤساءها للاتفاق على تشكيل رابطة لها باسم «رابطة المجالس الثقافيَّة البغداديَّة».