اكتشاف ثقب أسود قريب من الأرض.. يُرى بالعين المجردة

علوم وتكنلوجيا 2020/05/10
...

باريس/ أ ف ب
 
اكتشف علماء فلك في المرصد الأوروبي الجنوبي ثقباً أسود جديداً هو الأقرب إلى الأرض من بين الاكتشافات المماثلة ويقع في نظام نجمي مرئي بالعين المجردة، على ما أظهرت دراسة جديدة.

ثقب نجمي
وأوضح المرصد في بيان أن علماءه اكتشفوا ثقبا أسود نجميا متأتيا من انهيار نجم ضخم داخليا، ويوازي حجمه أربع مرات حجم الشمس. وخلافا للثقوب السود الهائلة، هذا الثقب «صامت» لأنه «لا يتفاعل بصورة عنيفة مع محيطه» (لا يمتص المواد)، لذا فإنه «أسود فعلا» وفي موقع خفي في النظام النجمي «إتش آر 6819».
ودرس فريق المرصد الأوروبي الجنوبي في بادئ الأمر «إتش آر 6819» على أنه نظام نجمي ثنائي يتضمن مجموعة متنوعة من نجوم أضخم وأكثر توهجاً من الشمس. وبفضل مرسام الطيف «فيروس» (أداة تتيح قياس السرعة الشعاعية لجسم ما) الموجود في مرصد لا سيما في تشيلي، لاحظ علماء الفلك أنَّ إحدى النجمتين كانت تتحرك بسرعة أكبر من الثانية وتتنقل بطريقة غير اعتيادية حول جسم غير مرئي مرة كل أربعين يوما.
ومن خلال درس هذا المسار تمكنوا من رصد وجود ثقب أسود واحتساب حجم كتلته.
اكتشاف مذهل
وأوضح عالم الفيزياء الفلكية توماس ريفينيوس وهو المعد الرئيس للدراسة التي نشرتها مجلة «أسترونومي أند أستروفيزيكس» أن «جسما غير مرئي بحجم يوازي أربع مرات على الأقل حجم الشمس لا يمكن أن يكون سوى ثقب أسود».
ولفت ريفينيوس إلى أن «هذا النظام النجمي يحوي أقرب ثقب أسود نعرفه إلى الأرض».
وقال بيتر هادرافا من أكاديمية العلوم في العاصمة التشيكية براغ وهو أحد معدي الدراسة «فوجئنا تماما عندما أدركنا أنه أول نظام نجمي مرئي بالعين المجردة مع ثقب أسود».
وذكرت الدراسة بأن علماء الفلك رصدوا حتى اليوم نحو خمسة وعشرين ثقباً أسود في مجرتنا التي تضم في وسطها ثقبا أسود هائلا.
وقال عالم الفلك في مرصد «بي أس أل» في باريس بيار كيرفيلا لوكالة فرانس برس «نعرف القليل من الثقوب السود النجمية في مجرة درب التبانة لكننا نظن أن ثمة الكثير منها لأنها ناتج طبيعي لتطور النجوم الضخمة».
 
1000 سنة ضوئيَّة
ويقع على بعد نحو 1000 سنة ضوئية، أو ما يعادل تقريبا 9.5 ألف مليون، مليون كيلومتر في الكوكبة (مجموعة نجوم) التي تعرف باسم كوكبة المرقب، وباللغة اللاتينية: «Constellation Telescopium”، ويمكن رصدها عبر التلسكوبات الواقعة في نصف الكرة الأرضية الجنوبي.
وقد لا يبدو (هذا الثقب الأسود) قريبا جدا إلينا، ولكن بقياس المسافات في سعة كوننا الهائلة، يبدو فعليا بجوارنا تماما.
لقد استدل العلماء على وجود هذا الثقب الأسود من الطريقة التي يتفاعل بها مع نجمين قريبين منه؛ أحدهما يدور في مدار الثقب والنجم الثاني يدور في مدار حولهما معا.
وفي العادة، تكتشف الثقوب السود من الطريقة التي يتفاعل فيها الثقب الأسود بعنف مع سحابة الغاز والغبار التي تتراكم حوله في صورة أقرب لصورة القرص. إذ يمزق هذه المادة المحيطة به وينجم عن ذلك انبعاث غزير لأشعة أكس. وهذه الأشارة ذات الطاقة العالية هي ما يلتقطها التلسكوب، وليس الثقب الأسود نفسه (الذي لا يمكن رؤيته).
لذا بدت هذه الحالة الجديدة غير معتادة، فحركة مجموعة النجوم هذه التي تعرف باسم “أج أر 6819” هي التي كانت وراء الكشف هذه المرة.
 
شديد السواد
ويقول ديتريش باده، عالم الفلك في هيئة المرصد الجنوبي الأوروبي ومقرها في غارشنغ في ألمانيا: إنَّ « هذا ما نسمية الثقب شديد السواد أو الحالك؛ إنه أسود فعلا بكل معنى الكلمة».
وأضاف: «نعتقد أن تلك قد تكون المرة الأولى التي يكتشف فيها ثقب أسود بهذه الطريقة. وليس ذلك فحسب، بل أنه الأقرب من بين كل الثقوب السود إلينا، بما فيها تلك التي نستدل عليها من تراكم المادة حولها جراء جاذبيتها الهائلة». وأحد الجوانب المثيرة في هذه القصة تتمثل في إمكانية رؤية «أج أر 6819» بالعين المجردة، إذا نظرنا إليها من الجهة الجنوبيَّة للأرض في سماء رائقة. ولا تحتاج لرؤيتها إلى تلسكوب أو منظار، على الرغم من الظروف في هذه اللحظة قد تكون خادعة، لأن نسق النجوم هذا يبزغ من خلف الشمس في هذه الأيام.
 
«أج أر 6819»
وقد بدأ العلماء بدراسة هذا النسق النجمي الثلاثي «أج أر 6819» قبل عدة سنوات، عندما كانوا يبحثون عما يصطلح عليه «بي ستار»، وهو نجم يدور بسرعة شديدة توشك أن تتسبب بتمزقه، والشيء الخارجي في هذا التزاوج النجمي يعطينا مثالا جيدا عن ذلك. بيد أن سلسلة من الظروف جعلت هذا البحث لا يكتمل إلا مؤخرا.
وكشف فريق البحث، الذي استخدم تلسكوبا بسعة 2.2 متر في مرصد لا سيلا الفلكي في تشيلي، أن النجم الداخلي من النجمين المرئيين يدور حول شيء غير مرئي كل أربعين يوما.
ولم يشخص علماء الفلك حتى يومنا هذا سوى نحو عشرين ثقبا أسود في مجرة درب التبانة (اللبانة)، وجميعهم تقريبا من النوع الذي يتفاعل بعنف مع قرص الغاز والغبار المحيط به ويُستدل عليه من انبعاث أشعة أكس. بيد أن الحسابات الرياضية الكونية تشير إلى ثمة العديد من الثقوب السوداء الأخرى حولنا، والمزيد منها في الفضاء الأوسع.
وتقول ماريان هيدا، التي تقوم ببحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في المرصد الجنوبي الأوروبي: « في مجرة درب التبانة، يشير الاعتقاد النظري إلى أن ثمة نحو 100 مليون ثقب أسود. لذا ينبغي أن يكون هناك المزيد من الثقوب السوداء قريبة منا».