ديكلان والش وفيفيان يير ترجمة: ليندا أدور
من دون خوف أو مبالاة من جائحة كورونا، يمضي بعض المقبلين على الزواج بعموم منطقة الشرق الأوسط قدماً لإتمام زفافهم الذي اضطروا في أغلب الحالات لتقليصه أو تأجيله وحتى إلغائه.
ففي القاهرة، سار مجموعة من الرجال في الشوارع شبه الفارغة، يزمرون بأبواق السيارات ومالوا بسيرهم نحو «جسر قصر النيل» هو الأشهر على نهر النيل، نزل من السيارة زوجان حديثا الزواج، ويتبعهما مجموعة من الأهل والأقارب، ليلتقطوا صورة في هذه البقعة الجميلة. لكنَّ رجال الشرطة المكلفين بفرض قواعد التباعد الاجتماعي أمروا المحتفلين بالتحرك على الفور.
تكرر المشهد على مدى بضعة أيام في شوارع القاهرة، إذ فشل وباء كورونا بثني الأزواج الجدد عن إقامة حفلات زفافهم، بالرغم من قرار إغلاق قاعات الأفراح والفنادق، وفرض حظر التجوال لتتبخر معها أحلامهم بشهور
العسل.
التكيف مع الوضع
بدأت بعض البلدان بالتكيف مع الوضع الجديد، ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، يمكن للزوجين المتعجلين الحصول على قسيمة الزواج عبر الانترنت، أما في دولة الكويت، فبدأت محاكم الزواج بتقديم خدماتها من خلال موعد خاص (من دون شمول ذلك لحالات الطلاق). وفي المملكة العربية السعودية، تجاوز بعض الأزواج على التقاليد المتبعة سابقاً بإقامة حفل زفاف قبل الانتقال للعيش معاً، حتى وإنْ كان الزواج مثبتاً قانونياً. في مصر، اقتصرت حفلات زفاف البعض على المقربين فقط، وخرق قسم آخر قواعد الصحة العامة بإقامة الحفلات وجلسات التصوير سراً، بالرغم مما تحمله من مخاطر. كان وازع العجلة لديهم لإتمام الزفاف هو استباق حلول شهر رمضان الفضيل الذي تندر خلاله إقامة مراسيم الزفاف.
يعتقد العريس إسلام، الذي اكتفى بإعطاء اسمه الأول، وهو يرتدي بدلة التوكسيدو وحذاء «سنيكرز»: «ان الوباء لن يصيبنا»، والى جانبه عروسه بفستان أبيض وقد تجمع المحتفلون لالتقاط صورة على الجسر مستغلين غياب رجال الشرطة.
مشاهد الإصرار تلك، وسط تفشي أزمة كبرى، تنبع من حقيقة بسيطة وهي أنَّ الزواج قد يكون مهماً في أي مكان، لكن في دول الشرق الأوسط، لا يحتمل التأجيل او الانتظار. تقول هانيا شلقامي، أستاذة علم الإنسان بالجامعة الأميركية في القاهرة: «إنَّ الزواج هو بداية الحياة الحقيقيَّة والشرعيَّة للعيش معاً، وانتقال الثروة وإنجاب الأطفال وهو أمر له نكهة خاصة في مجتمعنا».
تبعات عمليَّة
مع تفشي الوباء في المملكة العربية السعودية، لم يكن أمام معاذ محمد (23 عاماً) ومنار ظافر (26 عاماً) إإلا تقليص حفل زفافهما، المنفصل بين الجنسين، ليقتصر على دعوة 10 أشخاص فقط على الغداء في المنزل.
وحين لم تتمكن والدته من الحضور بالموعد، تواصلوا معها عبر السنابشات، وخلال أقل من90 دقيقة هي زمن العرس، تفرق الجميع عائداً لبيته قبل الحظر الجزئي وانتهت اللحظات التي كانوا يعدون لها قرابة العقد، تعرفوا خلالها على بعضهم البعض عبر الانترنت، تلتها الأيام التي قضاها محمد لإقناع أسرته بمفاتحة أسرتها ومن ثم الأسبوع الذي تظاهرت فيه أنها تفكر في عرض الزواج.
بدلاً من قضاء شهر العسل في أوروبا، كما خططا له، قضى الزوجان أسابيعهما الأولى بمشاهدة التلفاز والنقاش حول مشاركة الأعمال المنزلية كغسيل
الأطباق.
تقول رانيا سالم، أستاذة علم الاجتماع بجامعة تورونتو سكاربورو: «إنَّ التوجه نحو إلغاء حفل الزفاف له تبعاته العمليَّة كذلك، فقد يعني خسارة الهدايا المالية التي يمكن أنْ يحتاجها العريسان لبناء منزل الزوجيَّة، كما أنه خسارة لأسرتيهما لتدعيم مكانتهما
الاجتماعيَّة».
وفي لبنان، التي عرفت بإقامتها لحفلات الزفاف الفخمة، التي يمكن أنْ
تصل كلفة بعضها الى المليون دولار والآلاف من المدعوين.
دعا كل من لارا حيدر، تعمل مثقبة جسم، وحسام جواهري، وهو مصفف شعر، 3000 شخص لحضور حفل زفافهم بقرية عرمون القريبة من بيروت، لكنَّ اندلاع التظاهرات المناهضة للحكومة هناك، أجبرتهما على تأجيل العرس حتى تشرين الثاني، لكنَّ تفشي الفيروس ألغى موعد زفافهم الثاني. قبل أيام، حضر جواهري واصطحب عروسه على ظهر حصان الى عرس من شخصين (هما فقط)، وكعكة وبعض الموسيقى ليتلقيا التهاني بعدها عبر الفيسبوك.
هزة في القيود الاجتماعيَّة
في مصر، كان حلمي مصطفى وحسناء ماهر يخططان لإقامة حفل يحضره 400 شخص وبعدها يذهبان لأداء العمرة في المملكة العربية السعودية, ثم شهر العسل في بالي. لكنْ بدلاً من ذلك، أقاما حفلة عرسهما في فندق المطار النائي، والتقطا الصور، ونشرا مقاطع ببث حي عبر الفيسبوك أثناء عقد القران وهما يغنيان أغنية شعبية لتنهال عليهما التهاني من الأصدقاء والمقربين. «هذا ما كتبه الله لنا، وهو أفضل من أي شيء آخر كنت
أتخيله».
تسببت الجائحة بإحداث هزة بقيود اجتماعية متبعة منذ أمد طويل، إذ لم تكن هالة، مصممة مجوهرات من جدة في المملكة العربية السعودية لتفكر بالانتقال للعيش مع زوجها أحمد، يعمل مهندس، ببيت أهله قبل المصادقة على زواجهما قانونياً يتبعها حفل الزفاف في دبي ولمدة ثلاثة أيام. لكنَّ الإغلاق التام أجبرهما على إلغاء الحفل واتخاذ هذه الخطوة التي كسرت
القواعد.
قبلها بأسابيع، صار زوجان أردنيان- أميركيان، أجبرا على الحجر الصحي بمنتجع على البحر الميت، من المشاهير بعد أنْ نشرا مقطعاً مصوراً لهما وهما يحتفلان بمفردهما ويقف على مسافة آمنة منهما عمال المنتجع وهم يصفقون لهما، حتى أنهما تسلما هدية من ملك وملكة الأردن.
بعدها بأيام، ولدى وصول العريسين منزل الأسرة، ظهر العريس، أوس العونة، في مقطع فيديو وهو يحتضن والديه ويقبلهما وسط تصفيق الأقارب في الشارع، ليفاجآ بقدوم الشرطة وإلقاء القبض على العونة لخرقه أوامر تجنب الاتصال المباشر مع الآخرين، ليخرج العريس من الحجر الى السجن.
* صحيفة نيويورك تايمز الأميركية