فؤاد العبودي
مثلما شاعت ظواهر مدانة كالخوف والمجاملة والتصرف غير الحسن في مجتمعنا العراقي فقد غابت معها ثقافة الحوار وهي اللغة الاكثر تمدنا وتحضرا في انماط السلوك الاجتماعي بيننا.
وفي غياب هذا العنصر المتمدن الذي يجنبنا في حالة وجوده الكثير من المنزلقات والتحديات الشخصية التي تقوم بين الابناء في عصر طغت عليه سمة الخروج على الانظمة والقوانين المرعية.... وعندما تغيب الاعتبارات المطلوبة في دائرة النقاش الحر هنا لابد لثقافة الحوار ان تكون السائدة في مشوار العلاقات بين الاباء والابناء.
لقد افتقدنا إليها منذ اعوام طويلة من جملة امور عديدة تنتظم المجتمع وتسلكات ابنائه نحو خلق مجتمع متراص، اذ ان له من جذور تلك القيم المغروسة ماهي اكثر مما نتصور. فقد ضاع وتلاشى العمود الفقري في مداولات العائلة اسلوب ثقافة الحوار لاننا لو وجدنا هذا التعريف القيمي ساريا ضمن العديد من التصرفات فانه لم تحدث اية مشكلة اجتماعية وسط العائلة.
لذلك ومن هنا واعترافا بعدم وجود مانطمح له من علاقات سوية ينبغي علينا ادراك اهمية حضور ذلك الحوار وليس اليوم بل كان يفترض من زمن بعيد. لاحظنا وفي العديد من العائلات ان هناك بونا شاسعا بين الاباء والامهات وغياب عامل ثقافة الحوار بينهما قد جعل الامور تتعقد، وإذ نجد وفي احيان كثيرة ان البعض من الأبناء يتجاوز في حواره، مما خلق نوعا من الشق في جدار العائلة العراقية في وقت نحاول فيه شدها الى ما يعزز قيامها بدورها الرائد في ظل انهيار القيم التربوية والاصلاحية.
فقد يتصرف الابن وسط عائلته وكأنه الملك او السيد مما يدل على ان هذا التصرف الهجين من جانب الابن ينم عن وجود حالة من العصيان التربوي وعدم انضباط العائلة وغياب القيادة المركزية للاباء واستفحال مشكلة غياب الحوار العصري بل وثقافته
في العائلة.
لقد حظي تأريخنا العربي والاسلامي بشتى انواع الخطابات التربوية والحوارات التي من شأنها وضع حوارنا الثقافي العائلي وسط عيوننا وايلائه الاهمية الاستثنائية في جدول العائلة اليومي وذلك لما له من ابعاد سايكولوجية وقيمية تعطي لكل من افراد العائلة دوره المرسوم له والمساحة التربوية المسموح بها، التحرك والتصرف ضمنها...من دون اشاعة طرح تعبيرات سوقية بعيدة كل البعد عن المفهوم الحضاري الجليل للعائلة العراقية.
كذلك ما هي عليه مدارسنا فقد كانت من الاهمية ما تضع للحوار الاجتماعي اسسه ومعاملاته النفسية إذ شاعت ايامذاك حوارات الالفة والانسانية وضبط النفس باتجاه خلق جو من التبادل المعرفي وقيم الحكم الفلسفي والاجتماعي حتى لا تتراصف قامات دونما وجه حق ...اي بمعنى اخر ان لا يقف الابن بوجه ابويه مستغلا عطفهما وحبهما له.
إننا واذ نبحث عن عموميات ثقافة الحوار الثقافي لابد لنا معها من وضع الاسس الرصينة لتفاعل الاراء ولا نقول او ندعو الى فرض الوصاية الا بمدلولاتها العقلانية الاصيلة من بث الحوار واعطاء الحق المنير اذا كانت هناك وجهة نظر سليمة للابن من دون تشبثه برأيه. ان الهدف الرئيس لقيام ثقافة الحوار هو باعتقادنا اولا اضفاء صفة الاصغاء من كلا الطرفين وصولا الى ما يبتغيه الجانبين من حوار ممكن.. وهذا بالطبع لا يعني بان يكون الابوان متعكزين على اراء اكل الدهر عليها وشرب ولا تصلح في اي حال من الاحوال بان تكون معيارا للتفاهم في الوقت الحاضر.
كذلك على الابناء ايضا تفهم مصلحته التي بالتأكيد تنبع من مصلحة العائلة من دون التصلب في رأيه وهو يعرف انه على خطأ ما لانه اذا ما تصلب وتوحد برأيه ذلك انه سيوصله الى محطة الفشل الذريع.
ثقافة الحوار هي منصة مهمة من منصات التجانس العائلي وبناء اركان الاسرة من تبادل الاراء في جو من الحرية المنضبطة وتنشئ علاقة حسن التعامل بين الطرفين ضمن حدودها الاعتبارية حتى تصبح مؤطرة بالاحترام المتبادل والفهم الموضوعي.