العالم يتجنب {حرب لقاحات}

بانوراما 2020/05/22
...


واشنطن/ أ ف ب
 

إشكاليتان منفصلتان
وخلف مبدأ "المنفعة العالمية العامة"، تكمن في الواقع إشكاليتان منفصلتان، أولهما إشكالية الملكية الفكرية، والثانية إشكالية توزيع الجرعات الأولى. وقد يكون حلّ الإشكالية الأولى أكثر سهولةً من الثانية. 
تطالب إفريقيا من جهتها بلقاح غير خاضع لقيود الملكية الفكرية، كما أعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا.
كن تحقيق ذلك يبدو غير مرجح، إذ ستكون المختبرات راغبة باسترداد المليارات التي استثمرتها، ويمكن لها الاعتماد في هذا الإطار على دعم الولايات المتحدة، المعادية لأي مراجعة لحقوق الملكية الفكرية الدولية، كما أكدت هذا الأسبوع رداً على منظمة الصحة العالمية. وبدون شك، لن يكون اللقاح المرتقب مجانياً. أما بالنسبة للسعر، فستسعى المجموعات التي عملت في تطويره إلى استرداد سعر كلفة الإنتاج بالحد الأدنى. 
وتعهّد سعر الكلفة أيضاً ليس بالأمر الموضوعي. كان قُطع تعهد مماثل لعلاجات فيروس نقص المناعة، كما يكشف ماثيو كافاناه من جامعة جوروج تاون، لكنَّ المصنعين غير الرسميين وجدوا بعد ذلك هامشاً كبيراً للمناورة، وخفضوا الأسعار بعشرة أضعاف أو أكثر. 
من جانبه يشير مارك فينبرغ المدير العلمي السابق لشركة "ميرك فاكسينز" والرئيس الحالي لـ"المبادرة الدولية للقاح الإيدز"، إلى أن المختبرات تعلمت الدرس ولن ترغب في التحول إلى طرف "منبوذ" في المعادلة، ما قد يسيء لسمعتها وقدرتها على تحقيق الأرباح. ويعتقد فينبرغ أن تشارك الملكية الفكرية سيتم حتماً، لأن "لا أحد يستطيع بمفرده الاستجابة للطلب العالمي، وسيجبر أي طرف على البحث عن شركاء من أجل صناعة المنتج".
من هنا، يكون السؤال الأصعب، في نهاية المطاف: أي من سكان الأرض البالغ عددهم 7,6 مليار نسمة سيلقح أولاً؟ 
أميركا أولاً
تسعى منظمة الصحة العالمية وأوروبا والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال مكافحة فيروس كورونا المستجد، لإنفاذ آلية توزيع "عادلة" غير مسبوقة، تنطلق بالمبدأ من تلقيح العاملين في مجال الصحة في كافة البلدان التي طالها الفيروس، ثم العاملين في وظائف أساسية كالشرطة والنقل، وبعدهم يأتي بقية السكان. 
لكنَّ ترامب الذي ينتظر عودة الحياة إلى طبيعتها بفارغ الصبر، لا  يعير اهتماماً لهذا التضامن العالمي. وهدف حكومته إنتاج 300 مليون جرعة بحلول كانون الثاني، أي ما يكفي لتلقيح جميع الأميركيين من شباب وكبار في السن، علماً أن ذلك لا يزال مجرد فرضيات كون الاختبارات السريرية قد بدأت للتو. 
ويعتبر عميد كلية الصحة العامة في جامعة يال الأميركية ستيفن فيرموند أن "عقليته (ترامب) شديدة الانعزالية، كارهة للأجانب للغاية، وهو عكس ما نحتاج إليه للسيطرة على 
الجائحة". 
ويضيف أن "الولايات المتحدة ليست جزيرة منعزلة وتعتمد بشدة على الآخرين في الخارج للاستهلاك والغذاء، موضحاً "لن نعود إلى الحالة الطبيعية إذا كان فيروس كورونا لا يزال ينهش بقية العالم". 
يبقى أن حكومة ترامب استثمرت باكراً مئات الملايين من الدولارات في تجارب لقاحات تطورها مجموعات "جونسون أند جونسون" و"موديرنا" و"سانوفي"، أملاً في أن تثمر إحداها ويصنع بالتالي اللقاح في الولايات المتحدة. 
وقال مدراء "موديرنا" وهي شركة تكنولوجيا حيوية و"سانوفي" ما مفاده إن بإمكان أوروبا أن تستوحي من الخطوة الأميركية. 
لكن، على العكس عام 2009 عند انتشار فيروس "اتش وان إن وان"، يجري "الانطلاق هنا من صفحة بيضاء، ليس لدينا لا لقاح ولا مصنع"، كما تقول باسكال بارولييه من مؤسسة "غافي" التي تشتري اللقاحات للدول النامية. 
واستثمر "تحالف ابتكارات التأهب الوبائي"، الذي أنشئ عام 2017 لمواجهة الإخفاق الأولي في احتواء فيروس إيبولا، نصف مليار دولار في تسع شركات تطور لقاحات ضد (كوفيد - 19). ويطلب منها في المقابل أن يجري تشارك التقنيات المطورة من أجل عملية إنتاج سريعة وضخمة.
ومع هذا الدعم، تعمد المختبرات على إنشاء سلاسل إنتاج إضافية دون انتظار نتائج الاختبارات السريرية. 
وتعقد الشركات تحالفات في ما بينها. ويمكن لموديرنا الإنتاج في الولايات المتحدة (للسوق الأميركيَّة) وسويسرا (للسوق الأوروبيَّة). وتتعاون سانوفي مع "جي إس كا" المنافسة. وتملك الشركتان العملاقتان مصانع في أوروبا وأميركا. 
لكن لتلقيح الكوكب كاملاً، لا بد من الأمل في أن تثمر عدة اختبارات لإنتاج لقاح وليس واحداً.
 
الاستجابة الدولية
وفي أوج الحرب الكلامية الأميركية - الصينية وبينما هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقطع التمويل عن منظمة الصحة العالمية، اعتمدت الدول الأعضاء في المنظمة قرارا حول تقييم الاستجابة الصحية العالمية للوباء بما يشمل الوكالة التابعة للامم المتحدة.
تبقى بنود القرار غامضة بالنسبة لتطبيقه ومن سيقوم به وبأي تفويض وما هو شكل الإصلاح المنتظر لمنظمة الصحة العالمية وهل سينتهي الأمر بالصين الى قبول تحقيق مستقل على أراضيها؟ في ما يأتي بعض الردود:
 
تقييم
يدعو القرار منظمة الصحة الدولية الى إطلاق "تقييم مستقل" في "أسرع وقت ممكن" في الاستجابة الصحية الدولية للوباء بما يشمل الاجراءات التي اتخذتها منظمة الصحة العالمية.
وإذا كان القرار يترك كل الحرية لمنظمة الصحة العالمية لكي تقرر كيفية المضي في ذلك ولا يشير بأي شكل الى الصين، إلا أن المنظمة تواجه ضغوطا أميركية متزايدة.
وتطالب الولايات المتحدة واستراليا منذ أسابيع بتحقيق حول طريقة إدارة الأزمة الصحية من قبل منظمة الصحة العالمية والصين. لكن بكين رفضت فكرة تحقيق يتركز على الصين مطالبة بتقييم للاستجابة الصحية العالمية.
في منظمة الصحة العالمية كرر مديرها العام تيدروس أدهانوم غيبريسيوس الذي تتهمه واشنطن بانه منحاز للصين، القول إنه يجب قبل كل شيء وقف انتشار فيروس كورونا المستجد مؤكدا أن وقت التقييم سيأتي.
لكن هذا الدبلوماسي وزير الخارجية الإثيوبي السابق، اعلن الإثنين قبل تبني القرار عن تقييم "في الوقت المناسب" وامتنع عن تحديد موعد لإطلاقه. ونشرت لجنة استشارية مستقلة تابعة لمنظمة الصحة العالمية من جهتها أول تقرير لها حول الوباء طالبة من الدول أن تنقل بشكل سريع معلوماتها الى المنظمة واعطاء مزيد من الامكانات وتحسين نظام الانذار لديها.
خلاصات
أكد العديد من الخبراء والدول والمراقبين ضرورة إصلاح منظمة الصحة العالمية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية لتتمكن من الاستجابة بشكل أفضل لتحديات القرن الحادي والعشرين وخصوصا 
الأوبئة.
وقال خبير الأوبئة الأميركي لاري بريليانت إن "بنية منظمة الصحة العالمية كارثية لأن البلدان تصوت على جميع المواضيع تقريبا. 
ان منظمة الصحة العالمية ليس لديها سلطة مستقلة: لكل دولة صوت وهذا يعني أن المدير العام لديه ما يقرب من 200 رئيس".
ويؤكد القرار أن تقييم عمل منظمة الصحة العالمية سيتيح "تحسين القدرات العالمية للوقاية والاستجابة في مواجهة الأوبئة".
وأخيرا يدعو المجموعة الدولية الى تزويد منظمة الصحة العالمية "تمويلا دائما" في مواجهة وباء (كوفيد – 19).
 
تحقيق حول المنشأ
رغم ان القرار لا يذكر واقع ان الفيروس ظهر في نهاية كانون الاول في الصين، فانه يدعو المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الى التعاون مع المنظمة العالمية لصحة الحيوان ومنظمة الأمم المتحدة للاغذية والزراعة (فاو) والدول "بهدف تحديد المنشأ الحيواني للفيروس وتحديد كيفية انتشاره لدى البشر".
ويؤكد أن هذه الخطوة يمكن أن تتم "خصوصا من طريق مهام علمية ومهام تعاون ميدانية".
وأبدت الصين انفتاحها على تحقيق مستقل لكن ليس قبل انتهاء الوباء.
 
تسهيل الحصول على لقاح
يشير القرار الى "دور اللقاح على نطاق واسع بوصفه مصلحة عامة عالمية".
ويطلب إمكانية "الوصول العالمي والسريع والمنصف والتوزيع العادل لكل المنتجات وكل التكنولوجيا الأساسية في مجال الصحة" مؤكدا أن قواعد منظمة التجارة العالمية في مجال الملكية الثقافية تتضمن "مرونة". لكن السؤال الأساسي يبقى "كيفية القيام بذلك" كما تقول لوكالة فرانس برس غاييل كريكوريان مسؤولة حملة أطباء بلا حدود للوصول الى
الأدوية.
والمسألة ملحة جدا إذ إن الولايات المتحدة أعربت بعد اعتماد القرار عن معارضتها لتفسير قواعد منظمة التجارة العالمية.
وقالت آنا ماريوت من منظمة اوكسفام غير الحكومية إن الدول التي أعدت القرار "لم تقم بشيء لإرغام صناعة الأدوية على تقاسم براءات 
الاختراع".