سباق كثيف على إيجاد لقاح ضد (كوفيد – 19)

من القضاء 2020/05/30
...

برلين/ أ ف ب
 

برنامجان عالميان
ورغم وجود نحو 150 مشروعاً لتطوير لقاحات حول العالم، تمت الموافقة على البرنامجين الألماني والبريطاني من بين خمس تجارب سريرية فقط على البشر. في بريطانيا، من المقرر أن تتم تجربة أول جرعة من لقاح محتمل يعتمد على فيروس موجود في الشمبانزي على متطوعين في جامعة أكسفورد الخميس.في غضون ذلك، منح معهد بول إيرلخ الألماني، الهيئة التنظيمية المختصة في البلاد، الضوء الأخضر الأربعاء لاجراء تجارب اولى على متطوعين باستخدام لقاح شركة "بيونتيك" التي مقرها في ماينز والمرتبطة بمختبر فايزر الأميركي.وستشمل تجربة أكسفورد، التي يديرها معهد جينر، 510 متطوعين تراوح أعمارهم بين 18و55 عاما في المرحلة الأولى.وقدّرت مديرة الأبحاث سارة غيلبرت أن لديها فرصة نجاح بنسبة 80 بالمئة.
ويسعى المعهد إلى تطوير مليون جرعة من اللقاح بحلول أيلول لتوزيعه في أسرع وقت بعد الموافقة عليه.
وتعد تجربة جامعة أكسفورد جزءًا من جهد على مستوى الدولة في بريطانيا، يقوده منذ  الجمعة فريق عمل حكومي.
 
"تجربة بيونتيك"
في ألمانيا، قال معهد بول إيرلخ إنّ موافقته على تجربة بيونتيك تمثل "خطوة مهمة" في جعل اللقاح "متاحا في أقرب وقت".
واوضح انه في المرحلة الأولى، سيتم تلقيح "200 متطوع سليم تراوح أعمارهم بين 18 و55 سنة"، بينما يمكن أن تشهد المرحلة الثانية مشاركة متطوعين ينتمون إلى مجموعات عالية المخاطر.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة بيونتيك أوغور شاهين في مؤتمر صحافي إن الاختبارات ستبدأ "في نهاية نيسان". وتوقع أن تجمع الشركة البيانات الأولى بحلول "نهاية حزيران أو بداية تموز".
واعربت بيونتيك ان تحصل مع فايزر على موافقة الجهات التنظيمية قريبا لاختبار اللقاح نفسه في الولايات المتحدة.
 
الحياة الطبيعية
ليس هناك حاليا أي لقاحات معتمدة لمرض (كوفيد – 19)، الذي أودى بأكثر من 170 ألف شخص حول العالم وأصاب أكثر من مليونين.
ويقدر الخبراء أن تطوير لقاح جديد سيستغرق ما لا يقل عن 12إلى 18 شهرا.والأسبوع الماضي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن توافر اللقاح هو الشرط الوحيد  لإعادة "الحياة الطبيعية" إلى العالم.
وبصرف النظر عن تجارب بيونتيك وأكسفورد، تمت الموافقة على ثلاث تجارب سريرية أخرى على البشر في جميع أنحاء العالم منذ منتصف آذار، مع أولى الخطوات من قبل مطورين صينيين وأميركيين. وافقت بكين على أول تجربة لقاح تم تطويره من قبل أكاديمية العلوم الطبية العسكرية المدعومة من الجيش وشركة التكنولوجيا الحيوية في هونغ كونغ كانسينو بايو في 16 آذار.بدورها، قالت شركة تطوير الأدوية الأميركية مودرنا إنها بدأت اختبارات بشرية مع المعاهد الوطنية الأميركية للصحة.كما بدأ مختبر أميركي آخر، انوفيو للأدوية، ومقره في مدينة سان ييغو، المرحلة الأولى من التجارب البشرية في 6 نيسان.
ورغم أشادة شركة بيونتيك بما سمته "برنامج التطوير العالمي" الأربعاء، فإن البحث عن لقاح كان أيضًا سببًا لاثارة حساسية بين الدول.
والشهر الماضي، ذكر تقرير صحافي أن الولايات المتحدة حاولت شراء حقوق حصرية للأبحاث على لقاحات تقوم بها شركة ألمانية هي كيورفاك.
ورغم نفي كيورفاك ومسؤولين أميركيين هذا الامر، تسبّب تقرير الصحيفة بغضب في برلين، ودفع وزير الاقتصاد بيتر ألتماير إلى التصريح بأن "ألمانيا ليست
 للبيع".
 
أمل طموح
وبدأت جامعة أكسفورد البريطانية الخميس الماضي تجارب سريرية على البشر على لقاح تجريبي للتحصين من فيروس كورونا المستجد، معربة عن أمل طموح للغاية في أن تجعله متاحاً في الخريف لاستخدامه على نطاق واسع.وبينما تعدّ الأمم المتحدة اللقاح الطريقة الوحيدة الممكنة للعودة إلى "الوضع الطبيعي"، هناك سبعة أبحاث من بين نحو مئة في الوقت الحالي في مرحلة التجارب السريرية على البشر، وفق جامعة لندن سكول أوف هايجين أند تروبيكال مديسين. تحظى أبحاث جامعة أكسفورد بتأييد الحكومة البريطانية وقد أعلن وزير الصحة مات هانكوك أن التجارب على متطوعين بشر بدأت الخميس.
وقبل اجتماع مجلس العموم عن طريق الفيديو، أشاد بما وصفه بأنه "تطور واعد"، مشددا على أنه في الأوقات العادية يحتاج الأمر "سنوات" قبل الوصول إلى مثل هذه المرحلة من البحث.شملت التجربة التي أجراها معهد جينر في جامعة أكسفورد، في مرحلتها الأولى المصممة لتقييم سلامة اللقاح وفعاليته، ما يصل إلى 1112 متطوعاً تلقى 551 منهم جرعة من اللقاح التجريبي، والنصف الآخر لقاحاً وهمياً. سيتلقى عشرة مشاركين جرعتين من اللقاح التجريبي بفاصل أربعة أسابيع.
يقدر فريق البروفيسورة سارة جيلبرت فرص النجاح بنسبة 80 % وسيعمل بموازاة البحث على إنتاج مليون جرعة منه ستكون متاحة بحلول أيلول، لتوزيعها على نطاق واسع في الخريف في حالة نجاح التجربة.لكن الفِرق التي تجري الأبحاث تقول على الموقع المخصص لها إن هذه الخطة "طموحة جداً" ويمكن أن تتغير.
وقال مدير الخدمات الصحية البريطانية كريس ويتي إن احتمال التوصل إلى لقاح أو علاج فعال "في السنة الحالية ضعيف تماماً... أعتقد أنه يجب علينا أن نكون واقعيين في هذا الصدد - سيتعين علينا الاعتماد على تدابير اجتماعية أخرى، والتي بطبيعة الحال ستسبب الكثير من الإرباكات".
 
مجازفة ماليَّة
وقالت نيكولا ستونهاوس أستاذة علم الفيروسات الجزيئية في جامعة ليدز إن اختيار ستراتيجية عدم انتظار انتهاء المرحلة الأولى قبل بدء الإنتاج هي "رهان" غير مضمون من المنظور المالي. لكنها أوضحت لوكالة فرانس برس أن الرهان ضروري "في الوضع الحالي".
يعتمد اللقاح الذي أعده باحثو أكسفورد على فيروس غدي معدّل يصيب قردة الشمبانزي. وهو يسمح "بتوليد استجابة مناعية قوية بجرعة واحدة وليس فيروساً قادراً على التكاثر.. ومن ثم لا يمكن أن يسبب عدوى مستمرة لدى الفرد الملقح". 
وهذا يجعله "أكثر أمانًا للأطفال والمسنين" والمرضى الذين يعانون من أمراض كامنة مثل داء السكري.
بعد تعرضها للانتقادات بسبب إدارتها للأزمة، شكلت الحكومة البريطانية في نهاية الأسبوع الماضي "فرقة عمل" لتنسيق جهود الأبحاث والقدرة على إنتاج لقاح على نطاق واسع بمجرد توفره، أنى كان مصدره.
وهي تدعم أيضاً البحث الذي تجريه جامعة إمبريال كوليدج لندن ويأمل القائمون عليه ببدء التجارب السريرية في حزيران. ويقوم البحث على لقاح يعمل بطريقة مختلفة.
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأسبوع الماضي إن إيجاد لقاح هو السبيل الوحيد الممكن لعودة العالم إلى "الحياة الطبيعية"، داعياً إلى تسريع مشاريع الأبحاث الجارية.
 
أفضل السيناريوهات
من جانبها أعلنت الوكالة الصحية التابعة للاتحاد الأوروبي أن لقاحا ضد (كوفيد – 19) سيكون جاهزا خلال سنة "في أفضل السيناريوهات"، وذلك استنادا الى المعطيات المتوافرة حاليا عن الأبحاث الجارية.وقال مسؤول استراتيجية الصحة البيولوجية واللقاحات في الوكالة ماركو كافاليري في مؤتمر صحافي عبر الفيديو "نرى إمكانية لأن يكون هناك لقاح جاهز للترخيص بعد عام من اليوم، إذا جرى كل شيء كما هو مخطط له".
 
خطى حثيثة في روسيا
يقوم علماء روس في معهد أبحاث في موسكو بحقن أنفسهم بنموذج أولي للقاح ضدّ فيروس كورونا المستجد، متبعين نهجاً غير اعتيادي ولكنّه ينم عن طموح للتقدم في السباق العالمي لإيجاد علاج ضد الجائحة.
لا يتردد مدير معهد غماليا البحثي ألكسندر غوينتسبورغ في الإفصاح عن أنه حقن نفسه بلقاح يحمله فيروس غير معدٍ. ولا ينطوي استخدامه مثل هذه الطريقة، المخالفة للبروتوكولات المعتادة، سوى على الرغبة في تسريع العملية العلمية قدر الإمكان من أجل إكمال الاختبارات الإكلينيكية على البشر في الصيف.
فقد عبرت روسيا بوضوح عن رغبتها في أن تكون من بين أولى الدول، إن لم تكن الأولى، في تطوير لقاح ضد الفيروس الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 360 ألف شخص في جميع أنحاء العالم.
وبرنامج معهد غماليا هو مجرد واحد من مشاريع عدة عُرضت على الرئيس فلاديمير بوتين. وتُنفذ البرامج الأخرى ضمن شراكات بين القطاعين العام والخاص أو تشرف عليها وزارة الدفاع. 
وقد ذهب العديد من المسؤولين إلى حد التأكيد لبوتين بأنه يمكن إنتاج لقاح قبل نهاية الصيف، متجاوزين في وعودهم ما تطمح إليه عشرات المشاريع الجاري العمل عليها في الصين والولايات المتحدة وأوروبا. ومع ذلك، تعبر بعض الأصوات عن تخوفها من الخلط بين السرعة والتسرع.
وفي هذا الإطار، نددت الجمعية الوطنية لمؤسسات البحث الإكلينكي بتجارب معهد غماليا باعتبارها "انتهاكًا صارخًا لأسس البحث الإكلينيكي والقانون الروسي والمعايير الدولية" بضغط من السلطات الروسية.
 
سباق "مقلق"
وقال فيتالي زفيريف، أحد المسؤولين في معهد ميتشنيكوف العام للقاحات والأمصال "إنني أشعر بالقلق إزاء الوعود بإنتاج لقاح بحلول أيلول... إنه يذكرني بالسباق، أنا لا أحبذ ذلك".
ولا شك أن الرهانات الاقتصادية كبيرة جداً سواء بالنسبة لروسيا أو لسائر دول العالم بعد أن تسببت الجائحة تقريباً بشل الاقتصادات العالمية من جراء الإغلاق الذي استمر أشهراً لاحتواء الوباء.ويرى العديد من المسؤولين أن التوصل إلى لقاح وحده سيفتح الطريق أمام العودة إلى الحياة الطبيعية.
ويتعلق الأمر كذلك بهيبة روسيا. إذ اشتُهر قطاع البحث العلمي في عهد الاتحاد السوفياتي بأنه واحد من الأفضل في العالم ولا سيما عبر تمكنه من إنتاج 1,5 مليار جرعة لقاح ساهمت على وجه الخصوص في القضاء على الجدري في العالم. لكن البحوث الطبية الروسية، مثل العديد من القطاعات الأخرى، شهدت انهيارًا تامًا في التسعينيات.وكان من بين أشهر معاهد البحث مركز فكتور العام الذي يطمح اليوم للفوز بالريادة في التوصل إلى لقاح ضد فيروس كورونا وهو يقوم لذلك بتنفيذ عدة مشاريع بما في ذلك بالاشتراك مع شركات خاصة. 
ولكن المشكلة، كما يقول ألكسندر لوكاتشيف، مدير معهد مارتسينوفسكي للطفيليات الطبية، تكمن في أن البحث الروسي يكافح من أجل الانتقال من المختبر إلى العالم الحقيقي، على الرغم من جودة الأبحاث الأساسية العالية وكفاءة العلماء.ويشرح قائلاً: "لا أعرف لقاحًا واحدًا (جديدًا) أنتجته روسيا بكميات كبيرة واستخدمت منه أكثر من مليون جرعة، في حين أننا يمكننا عند مثل هذه المستويات فقط تقييم (فعالية) اللقاح" على المدى الطويل.