كورونا في أدب العالم

ثقافة شعبية 2020/06/03
...

باسم عبد الحميد حمودي
 
قال الشاعر الموريتاني (صالح شيخ أعمر):
دعوناك مولانا بأسمائك الحسنى
وباسمك يا منان ذي العظم الأسنى
لتبعد عن هذي البلاد وأهلها
كورونا الذي حاز النفوس به حزناً
وبعد هذا التضرع يقول الشاعر (محمد ولد بلال) وزير الخارجية الموريتاني الأسبق على الفيسبوك منشداً:
غايتنا بالجواد
وأنت موئل القدرة
الخمس ما تنزاد
ذيك الخمس تبر
وهو يشير بهذا الى بيان وزارة الصحة الموريتانية التي دعت الله أنْ يجنبَ البلاد زيادة عدد المصابين بهذا الداء الخبيث وحذرت من لقاءات أكثر من خمسة أشخاص.
وقال الشاعر حسني الفقيه:
لست واسم الله بالخائف
من الكورونا الصائل الزاحف
وإنما أهمني أنْ أرى
خلو صحن البيت من خائف
إنَّ هذه المختارات ليست إلا نماذج من ألوان من أدب التواقين الى دفع غمة كورونا عن البشر وقد سبقتها في الأدب العالمي الكثير من التجارب الإبداعيَّة التي تعبر عن الحزن على إصابة البشر بالأوبئة والجوائح.
ولعلَّ أشهر قصيدة في الشعر الحديث قصيدة الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة التي نشرت في العام 1947 تحت عنوان (الكوليرا) مصورة عذابات الإنسان في مصر عند اجتياحها بوباء الكوليرا.
امتازت قصيدة الملائكة بالقدرة على البناء الشعري الجديد ودخول القصيدة العربية ساحة الشعر الحر الحديث, وبذلك فقد تجاوزت شهرتها شهرة قصيدة الشاعر علي الجارم الذي اشتهر بقصيدته عن الكوليرا التي أصابت مدينته (رشيد) عام 1885 لكنَّ شهرة قصيدة الملائكة كانت الأشهر لكون البناء الكلاسيكي لقصيدة الجارم قد أبعدتها عن الدراسات النقديَّة الحديثة.
في العام 1886 كتب الشاعر الانكليزي كبلنك قصيدته عن (الكوليرا) التي صور فيها تأثير الوباء في الحضارة البريطانيَّة.
بعد ذلك كتب الجارم روايته التاريخيَّة (غادة رشيد) التي صورتْ زواج القائد الفرنسي عبد الله مينو لواحدة من عذراوات المدينة بعد احتلالها عسكرياً عند دخول بونابرت أرض المحروسة, مصوراً لحظات الانسحاب من مصر وسط ألم الوباء.
ومثلما كتب ماركيز رائعته (الحب في زمن الكوليرا) ليجتاح بواقعيته السحريَّة أدب السرد بلغة جديدة كان ألبير كامو قد كتب روايته (الطاعون) عام 1947 عن مدينته (وهران) مرمزاً الى دخول الطاعون أرض أوروبا بدخول الهتلريَّة.
وقد كتب عبد الرحمن منيف (أرض السواد) كثلاثية رسمت جزءاً من تاريخ العراق زمن المماليك متوقفاً طويلاً عند دخول الفيضان بغداد مصحوباً بالوباء ودخول جيش القائد علي رضا اللاز مقتربات بغداد وحصارها زمن داود باشا.
حديثاً نجد الروائي السوداني يكتب روايته (أيبولا 76) عن تأثير ذلك الوباء, في وقت كتب فيه سيد البحراوي كتابه التأملي المهم (مديح الألم) عن رحلته مع مرض 
السرطان الوبيل.
وإذا كان البحراوي قد كتب عن مرضه الشخصي الجارح فإنَّ الإنسانيَّة قد عاشت منذ العام 430 قبل الميلاد مرض الطاعون الذي أودى بحياة خمسين مليوناً من البشر (على مسؤولية مؤرخي ذلك الزمن)؛ أي نصف سكان الأرض آنذاك خلال حرب البولونيز التي جرت آنذاك بين أنصار أثينا وأنصار اسبارطة.
الشعراء اليوم في كل أرض يكتبون وينشرون وهم مسورون بالخوف والأمل معاً وستظهر نشاطاتهم لتندب من فقدت البشرية داعية الى عالم أفضل خارج صراعات الأوبئة وجوائح أنانيَّة البشر وتجاوزهم.