ترامب يضغط لاستعراض القوة والبنتاغون ينأى عن زجّ الجيش

قضايا عربية ودولية 2020/06/04
...

واشنطن/ وكالات/ نافع الناجي
 
بينما تواصلت التظاهرات في المدن الأميركية احتجاجاً على مقتل جورج فلويد على يد عناصر الشرطة، ووثقت وسائل الإعلام سقوط 10 قتلى على الأقل واعتقال 5000 شخص؛ أشاد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالإجراءات التي تم اتخاذها من قبله وإدارته للتعامل مع الاحتجاجات في العاصمة واشنطن، في وقت شن زعماء الحزب الديمقراطي هجوماً واسعاً ضد ترامب وقدموا مشروع قرار يدين خطواته التي اتخذها لفض الاحتجاجات.

وفي الوقت الذي يهدد ترامب بشأن إمكانية استخدام القوات العسكرية لقمع الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، سعى مسؤولو وزارة الدفاع (البنتاغون) للنأي بأنفسهم عن تهديدات الرئيس، وقالوا إنه سيكون من الأفضل الاعتماد على الحرس الوطني لإنفاذ القانون عند الحاجة وعدم الزج بالجيش الأميركي ضدج المدنيين.
وقال ترامب، في تغريدة جديد: "دائرة كولومبيا (في العاصمة واشنطن) لم تواجه أي مشكلات الليلة الماضية، تم تنفيذ عدد كبير من الاعتقالات، وجرى إنجاز عمل عظيم من قبل الجميع".
وأضاف ترامب، الذي سبق أن وصف الاحتجاجات بـ"أعمال الإرهاب"، التي يقف وراءها "اليساريون المتطرفون": "القوة الساحقة. الهيمنة. مينيابوليس كذلك تصرفت بطريقة ممتازة (شكرا لك الرئيس ترامب!)".
كما وصف ترامب، المحتجين في نيويورك بـ"الرعاع والفشلة"، وقال في تغريدة أخرى: "نيويورك، استدعوا الحرس الوطني. الرعاع والفشلة يمزقون المدينة لأجزاء. تصرفوا سريعا! لا تكرروا الخطأ نفسه المروع والقاتل الذي ارتكبتموه مع دور المسنين (خلال تفشي فيروس كورونا) !!!".
كما طالب الرئيس الأميركي قوات بلاده بالنزول إلى شوارع مدينة نيويورك، وسخر ترامب من السلطات المحلية، ومن حكام الولايات، بسبب طريقتهم في التعامل مع الاضطرابات، وكتب على "تويتر": "يا نيويورك استدعي الحرس الوطني. التعساء والخاسرون يدمرونك. تصرفي بسرعة".
وقال ترامب: "يجب على الحكام ورؤساء البلديات أن يكونوا موجودين بقوة لإنفاذ القانون إلى أن يتم إخماد أعمال العنف"، وأضاف "إذا رفضت مدينة أو ولاية اتخاذ الإجراءات الضرورية للدفاع عن حياة سكانها وممتلكاتهم، فسأقوم بنشر الجيش الأميركي وأسارع بحل مشكلتهم".
 
تجدد التظاهرات
وعلى الرغم من فرض السلطات الأميركية حظر التجوال في الكثير من المدن الكبرى، تجددت في الولايات المتحدة، مساء الثلاثاء وفجر أمس الأربعاء، احتجاجات واسعة ضد العنصرية وعنف الشرطة.
وخرج مئات الأشخاص في شوارع العاصمة واشنطن، التي بدأ فيها حظر التجوال للمشاركة في الجولة الجديدة من التظاهرات، التي أشعلها مقتل المواطن الأميركي من أصول إفريقية، جورج فلويد، جراء عملية احتجازه من قبل عناصر شرطة في مينيابوليس يوم 25 أيار الماضي.
وتجمع بعض المتظاهرين أمام البيت الأبيض، الذي تم حوله فرض طوق أمني من قوات الشرطة المحلية والفدرالية، حيث رددوا شعارات مثل "ارفع يديك – لا تطلق النار"، إضافة إلى دعوات تطالب برحيل الرئيس الأميركي، وبتحقيق العدالة في قضية فلويد، وكشفت مصادر للشرطة عن أنه جرى اعتقال 300 شخص في تظاهرات العاصمة أمس الأول الثلاثاء.
كما احتشدت مجموعات من المحتجين أمام مقر الكونغرس في الكابيتول وسط حضور مكثف لقوات الأمن والحرس الوطني، وتجمعوا أمام نصب أبراهام لينكولن، الرئيس الأميركي في وقت الحرب الأهلية الذي أنهى العبودية في الولايات المتحدة.
وخرجت تظاهرات حاشدة في مدينة شيكاغو بمشاركة آلاف الأشخاص، مطالبين بإصلاحات في أجهزة الشرطة.
وفي مدينة أورلاندو خرج 2000 شخص، حسب بيان للشرطة المحلية، في تظاهرة بدأت مسيرتها من مبنى العمدة وتوجهت نحو المقر الأساسي للشرطة.
وتجددت التظاهرات كذلك في مدينة لوس أنجلوس، التي لم يبدأ فيها بعد نظام حظر التجوال، من دون رصد أي أعمال شغب حتى الآن.
وفي نيويورك، قتلت الشرطة الأميركية شخصا أطلق النار على المواطنين في بروكلين بنيويورك، وبحسب قناة ABC فإن رجلا أطلق النار على الناس وجرح شخصين، ولدى وصول الشرطة إلى المكان، فتحت النار عليه وأصابته بشكل بليغ ما أدى إلى وفاته لاحقا، وأضاف المصدر أن شرطيين أصيبا بجروح أيضا خلال الحادثة.
كما أعلنت الشرطة المحلية إغلاق الشوارع وسط منطقة مانهاتن أمام حركة السيارات استعدادا ليوم جديد من الاضطرابات بعد أن تم اعتقال نحو 700 شخص في تظاهرات الليلة الماضية.
 
حصيلة أولية
وقتل جراء المواجهات بين الطرفين، حسب معطيات المسؤولين الأميركيين ووسائل الإعلام، 10 أشخاص على الأقل بين صفوف المحتجين، إضافة إلى اعتقال أكثر من 5000 متظاهر، بينما تحدثت الشرطة عن إصابة العشرات من عناصرها.
وأشركت سلطات 29 ولاية أميركية حتى الآن نحو 20 ألف رجل أمن من قوات الحرس الوطني، وذلك في الوقت الذي يصر فيه ترامب على حل عسكري لقضية الاضطرابات مع تدخل مزيد من القوات، الأمر الذي يرفضه كثير من رؤساء البلديات والحكام خاصة من الديمقراطيين.
وذكرت الشرطة في واشنطن أن 6 من عناصرها على الأقل أصيبوا بجروح خلال الاشتباكات مع المحتجين، الذين خربوا، 6 سيارات تابعة للشرطة، كما قالت قيادة شرطة نيويورك إن 40 من عناصرها أصيبوا بشكل عام جراء أعمال الشغب التي شهدتها المدينة في هذه الفترة.
وفي السياق نفسه، أعلنت وزارة الدفاع رفع مستوى التأهب الأمني في البنتاغون والقواعد العسكرية الواقعة قرب العاصمة واشنطن في ظل الاحتجاجات المستمرة.
وأفادت الوزارة بارتفاع درجة تأهب القوات المكلفة بحماية مقرها في مبنى البنتاغون الواقع في ولاية فيرجينيا والقواعد العسكرية قرب دائرة كولومبيا التي تحتضن العاصمة واشنطن.
وقال المتحدث باسم الوزارة جوناثان راث هوفمان: إن "وزارة الدفاع نقلت حوالي 1600 من قوات الجيش إلى منطقة العاصمة واشنطن بسبب الاحتجاجات التي تجتاح البلاد".
 
جنازة فلويد
إلى ذلك، أكد مكتب خدمات الجنازة "فورت بند" أن مراسم تشييع المواطن الأسمر جورج فلويد الذي توفي على إثر إصابته بنتيجة التعامل القاسي من قبل الشرطة، ستجري في مدينة بولاية تكساس الأسبوع القادم.
وأوضح المكتب في صفحته على "فيسبوك"، أن المراسم العامة ستجري يوم الاثنين المقبل 8 حزيران، ثم ستقام المراسم المغلقة يوم الثلاثاء المقبل، سيدفن بعدها جثمانه في مقبرة "هيوستن ميموريال غاردنز".
ومن المقرر إقامة مراسم إحياء ذكرى جورج فلويد في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، حيث قتل المواطن، وبولاية كارولينا الشمالية حيث مسقط رأسه، وهيوستن في ولاية تكساس.
 
أوامر وممانعة
ووسط انزلاق البلاد لدوامة عنف، أمر الرئيس الأميركي القوات الاتحادية بإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق مئات المتظاهرين خارج البيت الأبيض، ليتمكن من السير عبر حديقة للذهاب إلى كنيسة لالتقاط الصور مع نسخة من الإنجيل، الأمر الذي اثار استهجان قطاع واسع من الجمهور والسياسيين وحتى رجال الدين.
وفي الوقت ذاته، عارض حكام ولايات نيويورك وماساشوسيتس وميشيغان ومينسوتا أمر ترامب باستخدام القوة ضد المتظاهرين في محاولة لتعزيز مكانته كزعيم يفرض القانون والنظام، وذلك بعد ليلة لجأ فيها ترامب للقوات الاتحادية في واشنطن لإظهار القوة ضد المحتجين.كما هدد بنشر القوات المسلحة لقمع الاضطرابات وإنهائها بقسوة، فيما أكد أنه يدعم المظاهرات السلمية.
 وقال ترامب "إذا رفضت مدينة أو ولاية اتخاذ الإجراءات اللازمة للدفاع عن أرواح سكانها وممتلكاتهم، فسأنشر الجيش وأجعله يحل المشكلة بسرعة ".
وتم بالفعل نشر الحرس الوطني في 24 ولاية، من قبل الحكام، ولكن إلى حد كبير في دورٍ احتياطي. وتم فرض حظر التجول في مدن بولايات كاليفورنيا ونيويورك وواشنطن وكولوروادو ومناطق حضرية أخرى.
 
هجوم ديمقراطي
من جانب آخر، قدم زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي، تشاك شومر، مشروع قرار يدين أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتفريق المتظاهرين في ساحة لافاييت بواشنطن.
ويدعو مشروع القرار الكونغرس "لإدانة رئيس الولايات المتحدة لأمره الشرطة الفدرالية باستخدام الغاز والرصاص المطاطي ضد الأميركيين الذين احتجوا بشكل سلمي في ساحة لافاييت بواشنطن"، واتهم السيناتور شومر الرئيس ترامب بـ "انتهاك الحقوق الدستورية للمحتجين السلميين".
رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، أكدت قرب صدور تشريع ضد التمييز العنصري والأمور الأخرى التي أثارها مقتل المواطن الأسمر جورج فلويد على يد الشرطة بولاية مينيسوتا.
واعتبرت بيلوسي مسألة التمييز العنصري أثناء التعامل مع المواطنين المشتبه بهم "قضية شاملة"، مؤكدة ضرورة التخلص من هذه الظاهرة، وقالت بشأن التشريع الذي يعده الديمقراطيون: "في غضون فترة قصيرة، ستتخذ القرارات وأعتقد أن الشعب الأميركي سيحصل على خدمة جيدة".
في السياق نفسه، أعلن السيناتور الديمقراطي تيم كين أنه سيسعى لمنع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قانونيا من استخدام الجيش ضد المحتجين الأميركيين، رداً على تهديد ترامب بنشر قوات الجيش 
في المدن.
وقال السيناتور كين: إنه "سيقدم تعديلا على قانون الصلاحيات الدفاعية الوطني (NDAA)، الذي ينظم عمل البنتاغون"، سينظر إليه مجلس الشيوخ الأسبوع القادم.
بدوره، اتهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الدول الأوروبية بالتغافل عن "الوحشية" التي يتعرض لها المحتجون والصحفيون على خلفية احتجاجات الولايات 
المتحدة.
وكتب ظريف في تغريدة: "مدن الولايات المتحدة صارت مسرحا للوحشية ضد المتظاهرين والصحفيين، تزامنا مع تعرضهم لتهديد القمع العسكري".
وأضاف: "أوروبا التي تسارع إلى لعب دور القاضي ولجنة التحكيم عندما يتعلق الأمر بمجتمعات غير غربية، ها هي تلتزم بصمت يصم الآذان"، وتابع "إذا ما أرادت (أوروبا) أن تلتزم الصمت الآن، فينبغي عليها أن تصمت دائما".