في رده على الاحتجاجات التي اندلعت اثر حادثة مقتل "جورج فلويد" راح "دونالد ترامب" يركز على شجب الاضطرابات وأعمال الشغب ويدعو المدن التي تعرضت لها الى استدعاء الحرس الوطني لسحق العنف وتخريب الممتلكات.
من بين ابرز المواضيع التي كان ترامب يكررها أن المحتجين يتلقون التحريض من "فوضويي" اليسار المتطرف، وبالتحديد اولئك المرتبطين بـ"أنتيفا"، وهو تحالف مفكك من محتجي جناح اليسار والجماعات التي أخذت تظهر في الواجهة منذ انتخابه رئيساً. مؤخراً أعلن ترامب ان الحكومة الأميركية سوف تضع "أنتيفا" في خانة المنظمات الإرهابية.
ليس من الواضح ما هي الأدلة التي توفرت للسيد ترامب، إن كانت لديه أدلة، حتى أوصلته الى أن "أنتيفا" هي القوة الدافعة الكامنة وراء العنف الذي تشهده مدن أميركية عديدة، بيد أن هجماته على الحركة صار يرددها مسؤولون مختلفون في الإدارة من بينهم المدعي العام "بيل بار" رغم صعوبة إيجاد تطابق بين خصائص وسلوك "أنتيفا" مع الواقع الفعلي.
كلمة "أنتيفا" ليست تعبيراً جديداً، حيث سبق استخدام هذه الصيغة في الماضي وكان معناها في عدة لغات "ضد الفاشية". استوحت هذا التعبير عبر العقود جماعات عديدة متطرفة أو منتمية الى جناح اليسار، ولكن استخدامها في أميركا حالياً لا يقدم وصفاً لمنظمة ذات بناء هرمي يتولى قيادتها زعماء معروفون واضحون، بل هي إشارة الى مظلة تنضوي تحتها تشكيلة متداخلة من شوارد السياسيين الذين قربت بينهم وجمعتهم الى بعضهم فلسفاتهم اليسارية وتبنيهم لأساليب الفعل المباشر المختلفة.
لا يشترك جميع من يعرفون أنفسهم بأنهم "اعضاء" في "أنتيفا" بالآيديولوجيات المحددة ذاتها، كما انهم لا يتفقون جميعاً على التكتيكات المتطرفة بمجملها وكامل تفاصيلها. رغم هذا استقرت في مخيلة العامة فكرة مفادها بأن هذه الحركة تمثل تنظيماً سياسياً ذا هيكل بنائي كامل الاندماج، لاسيما في اوساط يمينية معينة يستخدم اسم "أنتيفا" عندها للإيحاء بصورة خطر يساري متطرف، عنيف ومنظم، يهدد النظام والأمن المجتمعيين.
كانت احدى اولى المناسبات التي ظهرت فيها "أنتيفا" بوجهها الصريح خلال فترة حكم ترامب هي مسيرة "وحدوا اليمين" في ولاية فرجينيا عندما وجد حشد هادر من اليمينيين المتطرفين والمتظاهرين العنصريين أنفسهم بمواجهة متظاهرين مضادين لهم من جناح اليسار ومعارضي العنصرية.
من حينها نظم ناشطو "أنتيفا" تظاهرات عديدة معلنة من بينها التظاهرات ضد متحدثي جناح اليمين الذين كانوا يلقون خطبهم في حرم الجامعات. بعض التكتيكات التي انتهجتها الحركة تحولت الى سمات مميزة لاحتجاجات جناح اليسار، مثل ارتدائهم زياً أسود
بالكامل.
بعض المنضوين الى "أنتيفا" يمارسون تكتيكات عنيفة بالفعل، تلك التكتيكات لم تنفّر منهم اليمين فقط بل أيضاً معظم المنتمين الى التيار اليساري بخطه العام، مثال ذلك الاحتجاجات العنيفة التي وقعت في بيركلي بكاليفورنيا في العام 2017 وجعلت "نانسي بيلوسي" تصدر بياناً شجبت فيه تكتيكات "أنتيفا" ودعت الى القاء القبض على من شاركوا فيها ومحاكمتهم.
ليست هناك قاعدة قانونية يستطيع ترامب الاستناد اليها في إعلانه أن حركة "أنتيفا" منظمة إرهابية. فالحكومة الأميركية تستخدم هذا التصنيف بحق منظمات ذات صفة دولية، وليس هناك قانون للارهاب يمكن التذرع به لإسقاط هذا التصنيف على الجماعات المحلية. وحتى لو كان هناك مثل هذا القانون، فلن يكون واضحاً من هو الطرف بالتحديد الذي سينطبق عليه الوصف، لأن "أنتيفا" ليست كياناً واحداً محدد المعالم مثل تنظيم القاعدة أو "داعش".
يجادل منتقدو ترامب بأن خطابه المنادي بفرض العقوبات رسمياً على "أنتيفا" إنما يصب في خدمة أهداف سياسية محددة، سواء أسفر ذلك عن ثمرة أم لم يسفر. يقول هؤلاء أن ترامب وإدارته قد أذكوا مشاعر الخوف من الحركة ومن اليسار المتطرف عموماً حين وصفوا أتباع الحركة بالارهاب في حين صوروا معظم احداث الاسبوع الماضي بأنها من افتعال "فوضويين" يدعون الى العنف في محاولة لاستغلال البلبلة التي حدثت وليست ردة فعل غاضبة ازاء العنصربة والعنف الوحشي الذي ابدته قوات الشرطة.
أندرو نوتي/عن صحيفة الإندبندنت