البحث عن العلاقات المعرفيَّة بين الموروثات

ثقافة شعبية 2020/06/13
...

جاسم عاصي
 
 
كتاب الأُستاذ الباحث باسم عبد الحميد حمودي الموسوم بـ (سحر الحقيقة)، جُهد واسع في سياقات الموروثات ضمن تاريخها ومثابرة مختصيها في شتى الصنوف والأجناس البحثية. لكن المركز الأساس في المتن ــ كما نرى ــ في كوّنه يتوسع في مدى العلاقة بين صنوف الموروث ، بين استقلالها كبنية ، وامتدادها إلى المجاورات. ومثل هذا الفعل لا تتيّسر سبله بسهولة دون معرفة تامة بمعظم ما أُنتج من دراسات وكتب بأقلام وملكات باحثين ، سواء كانوا عراقيين أو عرباً أو أجانب .إن الفرشة المعرفية التي اعتمد عليها الباحث هي جمع أطراف المعادلة والتركيز على الهدف الأسمى ، حيث العلاقة الجدلية بين تلك الموروثات ،لاسيّما التراث الشعبي والأساطير. وهما متنان معرفيان ينتميان إلى الأنثروبولوجيا البشريَّة.
 ما المقصود بسحر الحقيقة؟ سؤال يُحيل إلى طبيعة المؤلَف. وأُول هذه الاعتمادات في اختيار العتبة للكتاب؛ كوّنه زاخراً بالبحوث والعيّنات التي قُدمت على مدى التاريخ الإنساني، سواء كان ذلك عبر سيّر الكتّاب، أو طبيعة منتَجهم المعرفي، الذي كشف عن العلاقات الكبيرة سواء بين المجتمعات، أو بين الكتّاب خلال جهودهم المتميّزة. فالسحر متأت من جواهر ما أُنتج، والحقيقة من طبيعة تشكل ما تداولته الشعوب من عادات وتقاليد وطقوس منذ القِدَم، في كوّنها نتاجاً فاعلاً اجتماعياً ، يرتبط مباشرة بالعقل وما ينتجه من أفكار .هذه المفردات شكّلت بنى فكرية تصب في جانب أهمية ديالكتيك تاريخ وسيرة الشعوب. وبهذا تكون قد بلورت الحقيقة عبر معانيها الواضحة في الكشف. لذا فهي أي الحقيقة بسحرها قد أرخت لسيرة الشعوب والبلدان والجماعات ، لأنها نتاج فكرهم البري والحضري. ولعلَّ الملاحم والأساطير القديمة، قدّمت معاني مختلفة الدلالة ضمن العلاقات الذاتية في النص الحيوي مثل ملحمة كلكامش الزاخرة بسحر أساطيرها. ولنأخذ مثلاً ما آلت إليه العلاقة بين (كلكامش ــ أنكيدو) بعد رحيله إلى العالم الأسفل، ورغبة الملك في رؤية صاحبه التي بدت مستحيلة بسبب عدم تقيّد أنكيدو بالوصايا وهو سائر إلى العالم الأسفل. لكن التذرع وزيادة الطلب دفع الإله بإخراج روحه بأن أحدث ثقباً في سقف العالم الأسفل، خرجت منه روح أنكيدو، تلبست جسده. الحقائق التي انبثقت من خروجه ،كانت عبر وصفه لسكنى العالم الأسفل، والمعايير التي تُدار بها الحياة هناك، ما يوصلنا إلى حقيقة العقاب والثواب في العالم الآخر. هذه الحقائق أنتجتها الأُسطورة ضمن الملحمة. وهي أساساً بنى فكرية أساسية في الفكر الميثولوجي وسحره. 
أما التقسيم لمفردات مباحث الكتاب، فكانت ترتبط بسيرة المؤلِف على مدى سنين ليست قصيرة، استطاعت ذاكرته المعرفية والثقافية ودربته في الكتابة ، أن تضعها موّضع التوزع والشمول لحراك الوسط الذي شكّل تاريخه المعرفي. وما يهمنا في التداخل هنا، هو الصفحات التي افتتح بها المؤلف ،لا لشيء أو قصد، سوى كوّنها فاتحة لامّة عبّرت عن مفتتح منهج ارتكز عليه الكاتب من جهة ، ومن جهة أُخرى فيه نوّع من التركيز على مانح جدلية التاريخ والمعرفة في آن واحد، لذا سيحظى باهتمامنا.