بغداد/ سرور العلي
منذ نعومة أظفارها كانت الفنانة التشكيلية، جيهان رسول التميمي، تمارس الرسم، إذ تقوم برسم ثياب الفنانات من خلال متابعتها لأعمالهن في السينما والتلفاز في ذلك الوقت، ولكنها تبلورت وأخذت طابع الجدية، بعد أن قررت الالتحاق بكلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد، حتى أصبحت تدريسية للفن ولمدة 26 سنة لاحقا. وهي رئيس قسم الفنون التشكيلية في معهد فنون تكريت، أقامت عدة معارض مشتركة، منها معرض بصمات في القاهرة 2016، وكان معرضها الشخصي الأول بعنوان امرأة ومرآة) 2017، ورسمت جدارية بحجم 2م × 3م لإعدادية الخنساء للبنات سنة 2013، وجدارية داخل معهد الفنون الجميلة في تكريت سنة 2018.
يذكر أنها ناشطة مدنية مستقلة، وتشرف على إقامة المهرجانات الثقافية ودورات تعليم للرسم على القماش مجانية في قصر ثقافة وفنون صلاح الدين، ومدربة دولية tot مرخصة من البورد الاوروبي من مؤسسة التدريب والتنمية في صلاح الدين، ودخلت دورة في التعايش السلمي لمنظمة بنت الرافدين في بابل 2018، وحاصلة على اكثر من 20 شهادة تقديرية وشهادة مشاركة من جهات فنية ومنظمات مجتمع مدني ووزارة التربية.
رضا تام
عن دوافع ومسارات تجربتها الفنية، قالت: «الدوافع في بداية الأمر كانت بسيطة والمسارات كذلك، إلا أن التجربة علمتني أن أجعل الدافع أكثر نضجا، وهو الوصول الى الرضا التام عن نفسي فنيا وثقافياً، أما المسارات فهي في الخط نفسه، وهو تدريس الفن حتى وصولي الى مهمة رئاسة قسم الفنون التشكيلية في معهد الفنون في صلاح الدين مع الوصول الى خط خاص لعملي على الصعيد الشخصي، ما عزز الثقة أكثر لدي».
اما عن الظروف التي تبدع تحت تأثيرها، فتابعت جهان: «قد تتغير الأجواء والطقوس، فأحيانا أكون ملزمة بوقت محدد لإنجاز عملٍ ما للمشاركة به دوليا او محلياً، وبهذه الحالة أنتزع الوقت للرسم من خلال إعداد جدول يومي مقسم بين العمل الوظيفي والبيتي والرسم لأستطيع اكماله قبل الوقت المحدد، بينما الأعمال الإبداعية فتستهويني حتى طقوسها، وأميل إلى رسمها ليلا بشكل خاص من النادر أن أرسم نهارا فالنهار أراه بضجيجه وتداخلاته الصاخبة لا يصلح للرسم الابداعي، لذا لا أحب الرسم وسط الضجيج».
اختيار الالوان
وتتحدث التميمي عن مساهمة الألوان في جمالية لوحاتها، قائلة: «من خلال دراستي لفن التصميم فألالوان بالنسبة لي أختارها بدقة، وحسب النظريات إذا كان العمل منشأ من الخيال، أما إذا كان منقولا من الطبيعة فأني أحاول تحسس اللون، وأقرأه بالعين لأصل اليه، وأوظفه في عملي الفني، وأميل الى التناغم والانسجام ليكون العمل مريحا للناظر وللمتلقي».
وعن قيمة الجائزة في مشوارها الفني، فقد أوضحت: «بالتأكيد هي تعزز الثقة بالنفس وتنعش الرغبة في الاستمرار فنياً، ولكن حين أشاهد مشاريع تخرج طلبتي من المعهد وأسمع عبارات الاعجاب من المختصين فأجدها هي الجائزة الأكبر لمشواري الفني برمته».
وترى: «أن الفنانة التشكيلية في العراق تحيطها ظروف صعبة من كل الجهات كما هو الحال لجميع زميلاتها في مختلف الاختصاصات، ولهذا لم تتمكن من أخذ استحقاقها الذي يليق بها إلا بتغير الظروف، وهذا هو أملها، فهي تحتاج الى اهتمام ودعم من الجهات المسؤولة لتظهر محليا و دوليا».
وتشير الى:» أن الأفكار الإبداعية بالنسبة لها أحيانا تأتي من قراءة رواية او قصة او حتى قصيدة، وأحيانا أخرى من موقف او صورة تعلق في ذهنك، فتقوم بتسجيلها على الورق لحفظها قبل النسيان، وتأخذ دورها في الانجاز تباعا حين توفر الجو الملائم».
واضافت: «الزجاج والمرآة والقماش والورق، جميعها خامات أحب التعامل معها، ولكن حاليا أصب ابداعي على القماش بشكل أكبر».
فن صعب
وتعتقد «أن الفن التشكيلي فن صعب لا يتقنه إلا أصحاب الإرادات القوية، وهو يحتاج الى الرغبة والتمرين والممارسة والدراسة العملية، ولا يتبلور في ليلة وضحاها، فمن يمتلك كل هذه المقومات لا شك هو إنسان قوي الإرادة، وصاحب هدف ورسالة».
وترى «أن المشهد الفني التشكيلي العراقي ثري بالفن والفنانين وأعمالهم الابداعية الضخمة، ولكن قاعات العرض المعدودة باتت متهرئة دون تطوير أو تجديد أو ابتكار، مقابل ما تشهده صالات العرض على المستوى الدولي، كذلك فالدعم المطلوب توفره للفنان لا يرتقي الى مستوى الطموح».
وقالت، وهي تحدق بإحدى لوحاتها: «لعدة مرات تصلني دعوات للمشاركة في أوربا، وأعتذر عن المشاركة فيها لانعدام الإمكانيات، الفنان ينتج ويطمح في توفر ظروف تجعل فنه يصل الى أبعد نقطة، آمل أن يتغير الظرف ليصل الفن التشكيلي لمستوى الطموح الذي يستحقه».
أما عن دور الخامات في إبراز الفنان، فتشير التميمي: «حين يفكر الفنان باستخدام الخامات لتخدم عمله الفني، فلا بد له ان يراعي التناغم في اللون والملمس، ليدركها المتلقي في مرآها وجاذبيتها للحواس، وأيضا تتمثل في بعدها التعبيري، وجمالية التكوين في الخامات تتحدد تبعا للعلاقات المكونة له، وتسير على وفق نظام قصدي وعملية
تنظيم للعناصر المرئية، لأنه يقودها من الكفاية الجمالية الى آلية
الابداع».
يخاطب النظر
وتابعت: «لا أجد هناك أي مبرر لأن يشرح الفنان عناصر لوحته، وهذا ليس واجبا عليه إطلاقا، فالعمل الفني يخاطب النظر ليدخل منه الى باقي الحواس، فتجد أكثر من تفسير للعمل حسب ذائقة ومكنونات المتلقي، كما أنه لو قدم شرحا للجميع فهذا استنزاف لطاقته التي يحتاجها للاحتفاء بالمنجز نفسه، من فترة بدأت بتصميم أزياء تحتوي رسومات أيضا من تصميمي بالاستعانة بخامات أخرى تخدم القطعة جمالياً، كما أهيئ نفسي وأعمالي لإقامة معرضي الشخصي الثاني قريبا».
وختمت حديثها برسالة إبداعية: «لكل إنسان على وجه الأرض رسالته، فما بالك لو كان هذا الانسان فناناً، رسالة جيهان تقرأ في كل عمل اقدمه، ومواضيع أعمالي أغلبها تحاكي المرأة، وفي كل لوحة انجزها أحاول تذويب ما تصلب بداخلي فيها لأعبر عن ذاتي ومشاعري ورؤيتي للعالم بكل حرية لأحرر ما في داخلي من الأسر الى فضاء واسع، وهذا بالتأكيد نابع من قساوة بعض محطات حياتي، أطمح أن تجد كل امرأة فرصة عمل في بيئة نظيفة لتعيش مع أسرتها بكرامة، يكون الفن ضرورة للحياة، وان يمارس الجميع هواياتهم الفنية، حتى إن لم يصل الى الاحتراف».