عراق المركز أو طوفان الفوضى

العراق 2018/12/28
...

حسين العادلي
 
* على خلفية تداعيات الزيارة البوليسية/ اللصوصية لترامب والمشابهة للعديد من الزيارات البوليسية/ اللصوصية للكثير من مسؤولي الدول إلى العراق، أقول: ليس من الذكاء الستراتيجي هذا الإصرار على أن يبقى العراق ضعيفاً مأزوماً مستلباً بفعل الأجندات والاستقطابات الإقليمية الدولية، فوحدة وحيوية العراق حاجة عراقية إقليمية دولية تضمن استقرار المنطقة والعالم، واستمرار لعبة الاستلاب لن يطول حتى تدرك المنطقة والعالم خطورتها على بلدانهم وكارثيتها على مصالحهم، فالعراق مركز المنطقة فإمّا أن يوازنها أو يأخذ بها إلى طوفان الفوضى.
* العراق بلد محوري بالمنطقة بسبب موقعه الرابط بين العالمين العربي والإسلامي، والرابط بين آسيا وأوروبا، يمتلك مقومات ذاتية غنية تؤهله لبناء نموذجه الذاتي كمركز توازن إقليمي واستقرار دولي.
* تكمن مشكلة العراق قبل 2003م بفشل مشروع الدولة بفعل استبداد وتمييز ومغامرة وغطرسة الأنظمة الحاكمة (وبالذات نظام البعث) ما أدّى إلى انهيار بنى المجتمع والاقتصاد والهوية والسيادة لتنتهي الدولة باحتلال وافتراس إقليمي دولي.
* تكمن مشكلة العراق بعد 2003م بفشل إنتاج دولة موحدة وناجحة، بسبب اعتماد نظام سياسي مكوّناتي حزبي متصارع كرّس الانقسام وشظى الدولة ورهنها للفوضى والاستلاب. أيضاً صعّب نجاح الدولة التغيير الذي جاء باحتلال وستراتيجيات المقاطعة السياسية والإرهاب المنظّم والإعلام المضاد والاحتواء السلبي الذي مارسته العديد من الدول.
* العراق الضعيف وقع ويقع في عين معركة ستراتيجيات كبرى إقليمية دولية تستخدم الوسائل كافة لضمان وقوعه في مجالها الحيوي، وأغلب ما شهدناه من كوارث بما فيها الاستلاب والعنف والإرهاب هو جزء من صراع مصالح ونفوذ الستراتيجيات الإقليمية الدولية.
* هناك ثلاثة مآلات للدولة العراقية هي، أولاً: مآل اللادولة: وهو النموذج الحالي، نموذج الانقسام والفوضى والاستلاب والفشل السياسي الاقتصادي. هذا النموذج يضمن أن يبقى العراق مجالاً حيوياً لصراع الستراتيجيات لهدف خلق أوضاع جديدة، امتصاص أزمات، تصفية حسابات..الخ، ولن يصمد طويلاً. ثانياً: مآل الانحياز: وهو نموذج وقوع العراق في المجال الحيوي لإحدى ستراتيجيات المنطقة أو العالم لهدف جعله ساحة لسياساتها واقتصادياتها ونفوذها، وهو نموذج انتحاري يؤدي إلى إعادة إنتاج أزمات العراق ويجر المنطقة والعالم لصدامات وانهيارات كارثية هائلة. ثالثاً: مآل التوازن: وهو نموذج الدولة الموحدة الناجحة اللاعبة لدور التوازن الفعّال بما يؤهلها لتكون قوة ستراتيجية بذاتها فاصلة وموازنة للستراتيجيات الإقليمية المتصارعة، ومركز شرق أوسطي معتدل. 
* دولة التوازن تعني: دولة عراقية موحدة قوية قادرة على حفظ التوازن الإيجابي بين ستراتيجيات المنطقة، وهو النموذج الأفضل للعراق والمنطقة، فبقاء العراق فاشلاً ضعيفاً مستلباً سيخلق منطقة فراغ جيوستراتيجي تقود إلى تصادم مميت بين الستراتيجيات المتصارعة، وبقيام عراق قوي سيتكون مركز ثقل يوازن ويحفظ المنطقة من الانهيار، فالعراق مركز التقاء وتداخل الأمم الثلاث: العربية الإيرانية التركية، وضعف أو تشتت هذا المركز سيشتت هذه الأمم ويقسّمها بالضرورة. 
* يحتاج العراق لخلق دولة المركز التي هي حاجة إقليمية دولية أيضاً، إلى: قيادة واعية جريئة وسياسات إصلاحية شاملة للدولة واحتواء ذكي لصراع المحاور، وإلى دور إقليمي دولي بنّاء يعي خطورة انهيار العراق، وإلى دعم مؤسساتي دولي سياسي اقتصادي حتى يتسنى للعراق تجاوز المصدات والوقوف على قدميه.