الزجل اللبناني.. طراوة الروح وأصالة الإرث الشعبي

ثقافة شعبية 2020/06/16
...

بيروت / جبار عودة الخطاط  
 

يعتز اللبنانيون لا سيما كبار السن منهم بفن الزجل.. اهتمامهم به  المتجدد عبر الأجيال جعله عصياً على الإندثار  محتفظاً بطراوته وأصالته وحيويته الشعبية رغم التطور الهائل في الثورة المعلوماتية الحديثة التي فرضت بصماتها على حيز إهتمامات الرأي العام.. يقول أنطوان سعادة (الزجل محفور في جينات اللبنانيين) منذ أن انتشر في بلاد الارز عام 1928 وحتى يومنا هذا... 

اليونسكو لاحظت ذلك فبادرت الى إدراجه ضمن «تُراث البشريَّة الثقافيّ غير الماديّ» منوهة بقرارها بأن» الزَّجل الذي ينتشر على جميع الأراضي اللبنانية،اسهم في ترسيم الهوية الثقافية واستدامتها بين صفوف الشعب اللبناني».
 
أصل الزجل
هو من فنون الأدب الشعبي الجميلة أرجع باحثون أصله إلى جزيرة العرب قبل الإسلام فيما أعتقد آخرون أن أصوله تعود إلى التأريخ الأندلسي والزجل نمط تقليدي من الشعر الشعبي ولعل حيويته تكمن في كونه ارتجالياً، وعادة ما يتخذ صورة  مناظرة أو سجال بين عدد من الزجالين  مصحوباً بإيقاع موسيقي يمنحه زخماً حماسياً إذ يحظى بإهتمام شعبي واسع في لبنان وشمال فلسطين و الأردن وغرب سوريا. غير أن منزلته في لبنان تختلف عن البلدان الأخرى فهو يرتبط بذاكرة لبنان الجمعية، طرزها بالجمال وأسهم في بلورة الذائقة الفنية لدى الكثيرين عبر الارتقاء بحسهم الجمالي من خلال نضارته وعفويته فاللبنانيون لا ينسون إبداعات  الأخوين رحباني وميشال طراد  وطانيوس الحملاوي، وآخرين ولقد تسامى الزجل حين أصبح من الألوان المغناة فدخل القلب قبل الإذن بأصوات كبيرة فهذه فيروز تطلق شجي صوتها لتلامس ذكريات اللبنانين فيتملكهم الحنين لأيام شدوها الجميل مع نصري شمس الدين: 
كانت على هاك العريشة تتكي ...
وتحكي حكي الأشواق ويطول الحكي ...
ولمّا عصافير المواسم يهجروا ...
يهبّ الهوا ويعنّ عَ بالا البكي ...
كانت هاك الحلوة بعمر الولدنة ... 
وتبقى بعقد الياسمين مزيّنة ...
تقلّو احكيلي عَ المحبة والهوى ... 
تَ الحقك ع آخر شطوط الدني ...
راحوا اللي حبّوا راحوا ... 
والعاشق لمّ جناحو ...
ودخلك وين دموع العين ... 
بهالعينين بيرتاحوا ...
 
طقوس شعبيَّة
وللزجل وطريقة إلقائه طقوس شعبية جميلة وكانت بدايتها إن لكل ضيعة لبنانية فارسها الشعري الذي كان يتصدر وفد المباراة والذي يتألف عادة من 25 - 50 شخصاً إذ جرت العادة الإحتكاك بوفد آخر يكون من ضيعة أخرى لتبدأ المنافسة التي غالباً ما تكون حامية وتستهل مع ما يعرف  بـ»شيخ القواله»، وهو في الغالب  كبير في السنّ يحمل بيده آلة الطارة وهي شبيهة بالدفّ، ليأخذ السجال الزجلي منحى متصاعداً وسط تشوق الحضور للمزيد وهذه المراسم كانت قبل انطلاق ما عرف بالمنبر الزجليّ الأول الذي تأسس على يد الشاعر الكبير شحرور الوادي، بمشاركة الشعراء علي الحاج القماطي، وأنيس روحانا وطانيوس عبده، وقد اطلق على هذه المجموعة أو الجوقة إسم «شحرور الوادي»، وكان هناك فضلاً عن الشعراء المارين مجموعة الكورال وعازفي الدفّ. 
وعلى هذا المنوال استمر المنبر الزجليّ حتى يومنا هذا ضاجّاً بفعاليته التي استقطبت جمهوراً واسعاً  وقد كانت هناك مساعٍ عدّة لتعديل أو (تطوير) المنبر الزجلي، من خلال محاولة زيادة أو إنقاص عدد الشعراء، أو تعزيز آلة الدف  بآلات موسيقيّة أخرى غير أن جميعها أخفقت باستثناء أمر واحد هو نجاح إدخال آلة «الأورغ» التي سجلت حضورها في المنبر الزجلي منذ الثمانينيّات. 
 
أوزان الزجل
للزجل اللبناني بُنى موسيقية وأوزان عدة مثل  الشروقي والقرادي والمعنّى والبدالي وغيرها، أشطر البدالي والشروقي مثلاً تنظم في صدرها وعجزها من وزن واحد وكذلك أبيات المعنّى والقرادي وباقي الأنواع ، وجرت العادة إن شعراء المحكية  يستخدمون قسماً من هذه الأوزان في القصيدة الواحدة فتبدو نصوصهم أحياناً أقرب للانفلات من الوزن والقافية أيضاً.. يقول مروان ابو نصر الدين في كتابه المهم (الشعر اللبناني والغناء الفولكلوري): «إن الزجل اللبناني يجمع بين تيارين، السرياني والعربي، وهو نتيجة التفاعل التاريخي والاجتماعي والأدبي في القرى اللبنانية . إذ نشأ هذا الفن الشعبي ، لذلك نرى أوزانه مزيجاً من البحور الخليلية والألحان السريانية . فالمعنى والعتابا والقصيد ( البدالي والشروقي ) يمكن أن تُنظَمْ على تفعيلات بحور الوافر والسريع والرجز، في حين أن القرّادي والموشّح ومتفرعاتهما يتبعون ما يسمى « الفرامي « أي وزن المقاطع السبعة، وفي قول جرجي زيدان ما يؤكّد ذلك  جاء في تاريخ آداب اللغة الربية :» وللشعر العامي أوزان بعضها يشبه أوزان الشعر الفصيح وبعضها لا مثيل له في الأوزان الشعرية المعروفة في هذا الشعر». 
ذلك لا يعني أن القرادي لا يتبع تفعيلات الخليل بن أحمد  فهو على بحر المتدارك ، وبالمقابل ان ما يُنظم على بحور الشعر الفصيح من أنواع الشعر العامي ، يمكن تقطيعه حسب مقاطع صوتية ، وبحور خاصة بالشعر العامي ، لأن لهذا الشعر قواعد وضوابط وبحور خاصة به.
 
أصل تسميته
واختلف المعنيون في أصل تسمية الزجل فذهب باحثون الى أصل التسمية هو الرمي لأن الشاعر المتباري يرمي فيه ندّه ببيت زجله محاولاً إفحامه فيرد الأخير سهم زجله وهكذا دواليك.
وقد عرف ابن المنظور مفردة (الزجل) بتسكين الجيم بقوله: «الرمي بالشيء تأخذه بيدك فترمي به»، ومنه زجل الشيء يزجله وزجل به زجلا وزجلت به، ومن الأقوال الدالة على استخدام مفردة (زجل) بهذا المعنى الحديث: «أخذ الحربة لأبي بن خلف فزجله بها فقتله» أي رماه بها، وحديث الصحابي عبد الله بن سلام: 
«فأخذ بيدي فزجل بي» 
أي رماني ودفع بي، وقال الشاعر:
« بتنا وباتت رياح الغور تزجله... 
حتى استتتب تواليه بأنجاد» 
....... 
الغور: تهامة، وأنجاد: جمع نجد، وتزجله: أي تدفعه ، ويقال: «لعن الله أما زجلت به»، «وزجلت الناقة بما في بطنها زجلا» أي رمت به. بينما يعتقد باحثون آخرون أن أصل تسمية الزجل تعود الى معنى «الصوت الصادر من الجمادات» ، وأرجعوا ذلك الى تعريف الموسوعة العربية العالمية بـ»درجة معينة من درجات شدة الصوت، وهي الدرجة الجهيرة ذات الجلبة والأصداء»، ومن ما ورد في ذلك من الأقوال، قولهم: «سحاب زجل»: إذا كان فيه الرعد، و»غيث زجل»: لرعده صوت، و»نبت زجل»: صوتت فيه الريح، ونجد شعرا للأعشى منه قوله: تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل، أي ريح مصوته، وقول أبو الرضا المعري:
« عبرت بربع من سياث فراعني 
به زجل الأحجار تحت المعاول» 
أي الصوت الصادر من جراء ضرب الأحجار بالمعاول.