علي سعدون
تقترن الحرية في الأنظمة الديمقراطية، بقوانين صارمة تحد من تجاوز الأفراد والجماعات على النظم المجتمعية والقوانين، وبالنتيجة منح الناس بصورة عامة نوعاً من الحرية الكبيرة الواسعة في ممارسة الحياة بطريقة منظمة وراقية. هذه من أبجديات الانظمة المعاصرة التي تبنتها الجمهوريات والانظمة الملكية وقد نجح معظمها في تحقيق غايات سياسية واجتماعية سامية الى حدٍ كبير. إذ ان ذلك الاقتران الحيوي والمهم بين الحرية واهمية القانون وسيادته هي التي تصنع مجتمعات قوية ومتماسكة وقادرة على النمو الاقتصادي والحضاري بسبب من اهمية تواشج عناصر قوته وهي تطبيقات القانون من جهة والحرية الواعية الممنوحة للمواطنين من جهة أخرى..
هذه القوانين الصارمة تأتي لتحقيق التوازن بين حرية المواطن ورصانة الدولة – هيبتها – على وجه الدقة. ويمكننا النظر الى اي دولة في المقارنة او التقييم من خلال قوة تطبيق القوانين ونجاح فعاليتها في المجتمع.. هذه القوة التي يفسرها البعض باعتبارات القمع مرة، وسحنة الديكتاتورية في أخرى، من دون أن يفسرها بوصفها نوعا من المركزية التي تأتي كنقيض للفوضى. الدولة مجموعة من الانظمة والقوانين التي تسعى لتقديم الخدمة العامة للمواطنين وبالنتيجة هي مسؤولة عن حفظ كرامة الأفراد في العيش الكريم الذي لن يتحقق من دون وجود مركزية حقيقية لتطبيقات القوانين على أرض الواقع. أعني أن فرقا هائلا بين مفهومي المركزية بوصفها من ضرورات الحكم، وبين النظام الشمولي الديكتاتوري. هذا الفرق لا يروق لعدد كبير من السياسيين الذين يطمعون بضعف الدولة وفوضاها لتحقيق غايات ومكاسب على حساب هيبة الدولة ورصانتها..
إن التجربة السياسية في العراق وفق ما يسجله تاريخها المعاصر، كانت قد تأسست بدستورية ناشئة استطاعت بوقت قياسي تحقيق سمات وملامح دولة فتية في الثلاثينيات والاربعينيات، وربما استمر ذلك الى مسافة شاسعة من تاريخه السياسي. لكن تجربة ما بعد الاحتلال انتجت على حين غرة نوعا من الفوضى التي أُشيعت بسبب من إصرار القوى المهيمنة على صناعة القرار بمبررات يعرفها ويدركها عدد كبير من المتابعين.. هذه الرغبة هي رغبة ايديولوجيات حزبية وليست رغبة جماهيرية عامة تتمثل بطموحات الناس ورؤيتهم للمفهوم الوطني من خلالها. ذلك أن المواطن ينشد نظاما مركزيا يسيطر على أجهزة الدولة ويسيّرها وفق رؤيته التي ستخضع بالضرورة الى قوانين الدولة ودستورها، لا الى العبث والتجاوز وتخريب النسق العام الذي تسير بموجبه أنظمة الدولة ومؤسساتها..
بطبيعة الحال، لن يروق ذلك الى الفوضى التي أنتجت المحاصصة المقيتة، ولن يروق ذلك الى العصابات التي تريد أن تأكل روح الدولة وخيراتها من دون وجه حق، ومن دون عدل او مساواة في الحقوق والواجبات، وهي واحدة من استحقاقات العراقيين بعد سنوات طويلة من الاضطراب السياسي واليباب في الرزق وطريقة العيش، ناهيك عن الحروب والمجاعات واثرها الكبير على نسيجه الاجتماعي ومكوناته الغنية بتنوعها وأصالتها. ثمة من يريد لهذه الدولة ان تبقى ضعيفة ومنتهكة السيادة ومن ثم لن يكون بمقدورها تجاوز محنتها في التأسيس لدولة حقيقية ذات سيادة، لا دولة من ورق النشاف الذي تبعثره الريح كلما اشتد منسوب انفعالها.