أحيا آلاف الأميركيين في مسيرات حزينة وغاضبة أمس الأول الجمعة، ما يعرف هناك بيوم "تحرير العبيد"، وهو عطلة لإحياء ذكرى انتهاء العبودية والتي تحمل صدى خاصا هذا العام بعد موجة من الاحتجاجات، والبحث عن الذات بشأن إرث البلاد من الظلم العنصري.
ومع إلغاء معظم الفعاليات الرسمية لهذا اليوم بسبب إجراءات مواجهة فايروس كورونا المستجد، نظم نشطاء بدلا من ذلك مسيرات في الشوارع و"قوافل بالسيارات" في مسعى منهم لمنح الناس متنفسا للتعبير عن غضبهم وتضامنهم.
لكن رغم القيود المفروضة لمكافحة الفايروس، فإن هذا اليوم الذي يمثل احتفالا سنويا بإعتاق العبيد منذ قرن ونصف القرن، يحمل معنى خاصا هذا العام، إذ يتبع سيلا عارما من احتجاجات أثارها مقتل جورج فلويد، الرجل الأميركي ذو الأصل الأفريقي الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن جثم ضابط شرطة أبيض في منيابوليس بركبته على رقبته لتسع دقائق تقريبا على الأرض.
وعلى مدى أسابيع حركت المطالب المتصاعدة بإنهاء وحشية الشرطة والظلم العنصري مسيرات كانت متوقعة في مدن أميركية من أقصى شرق البلاد إلى أقصى غربها، بما فيها العاصمة واشنطن وفيلادلفيا وشيكاغو ولوس أنجلوس.
وفي مدينة نيويورك، تجمع بضع مئات كان معظمهم يضع كمامات الوجه بسبب الفايروس خارج متحف بروكلين، حاملين لافتات عليها عبارات من قبيل "حياة السود مهمة" و"اذكروا أسماءهم"، وفق ما نقلت وكالة "رويترز".
وكانت أكبر المسيرات في أتلانتا، التي شهدت عواطف متأججة بعد مقتل رايشارد بروكس، وهو أميركي آخر من أصل أفريقي أصيب بالرصاص في ظهره على أيدي شرطي أبيض في مرأب للسيارات في مطعم للوجبات السريعة، وتمت إقالة الشرطي ووجهت إليه تهمة القتل.
ويحيي يوم تحرير العبيد الذي يعرف باسم "جون-تيينث"، وهو اسم مركب من كلمتي (جون) أي شهر يونيو-حزيران، و(تيينث) في إشارة إلى اليوم 19، ذكرى إلغاء الولايات المتحدة للرق بموجب إعلان إعتاق العبيد الذي أصدره الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن عام 1863، وأعلن جيش الاتحاد عنه لاحقا في غالفيستون بولاية تكساس في 19 حزيران 1865، بعد انتهاء الحرب الأهلية.
وأعلنت ولاية تكساس عام 1980 هذا اليوم عطلة رسمية، وحذت حذوها فيما بعد 45 ولاية أخرى بالإضافة لمقاطعة كولومبيا، وفي العام الحالي، أعلنت مجموعة من الشركات الكبرى يوم 19 حزيران، المعروف أيضا باسم يوم التحرر أو يوم الحرية، عطلة مدفوعة الأجر للموظفين.
إلى ذلك، دمر محتجون وأحرقوا نصبا تذكاريا لأحد القادة الكونفدراليين في واشنطن ما أدى إلى رد فعل غاضب من جانب الرئيس دونالد ترامب الذي أبدى استياءه وطالب الشرطة بمحاسبة المتسببين في الواقعة.
وكان عشرات المحتجين قي العاصمة الأميركية قد أقدموا على تدمير تمثال الجنرال ألبرت بايك وإحراقه، تعبيرا عن استمرار غضبهم من عنف الشرطة عقب مقتل فلويد.
ويعد النصب التذكاري للجنرال ألبرت بايك التمثال الوحيد لضابط كونفدرالي، وعبر ترامب عن غضبه من أفعال المحتجين، وكتب في حسابه على موقع "تويتر" قائلا: "لا تقوم شرطة العاصمة بعملها لأنها تشاهد تحطيم التمثال وحرقه، يجب القبض على هؤلاء الناس على الفور، أنهم عار على بلدنا".
وكان محتجون في بورتلاند أطاحوا ليل الخميس، بتمثال لجورج واشنطن والذي تم نصبه في عشرينيات القرن الماضي، ووضع المتظاهرون ملصقا على رأس التمثال كتب عليه "أنت على أرض السكان الأصليين" ورسموا أيضا على قاعدة التمثال.
في وقت سابق من الأسبوع، قام المتظاهرون في جامعة أوريغون في يوجين بتشويه تمثالين يمثلان الرواد البيض، وطال هدم وإزالة التماثيل عدة ولايات أميركية، حيث اعتبر المحتجون أنها ترمز إلى حقبة تجارة الرقيق.
كما سحبت بلدية سان فرانسيسكو في كاليفورنيا تمثالا لكريستوفر كولومبوس بعد رشقه بالوحل من قبل محتجين، فيما تنوي الولاية الواقعة غربي الولايات المتحدة إزالة تمثال البحار الإيطالي من البرلمان المحلي.
وجاء في بيان للجهاز الثقافي في بلدية المدينة الواقعة في غرب الولايات المتحدة: "في الوقت الذي تمر فيه بلادنا بمرحلة مهمة نطرح تساؤلات بشأن كيفية تأثير العنصرية المؤسساتية والبنوية في مجتمعنا".
وأضاف البيان: "الكثير من النصب التاريخية تُزال في مدن عبر الولايات المتحدة، لأن الإنجازات والأفكار التي ترمز إليها لا تستحق أن تكون موضع تكريم".
وكان البحار الإيطالي كولومبوس يعتبر لفترة طويلة "مكتشف أميركا"، إلا أن البعض بات يعتبره الآن أحد المساهمين في إبادة هنود القارة الأميركية والسكان الأصليين عموما.
وأعلن مسؤولون في ولاية كاليفورنيا، الأسبوع الماضي، أن تمثالا آخر لكولومبوس سيسحب من مقر البرلمان المحلي في ساكرامنتو، حيث هو موجود منذ العام 1883.
وقالوا في بيان: إن "كريستوفر كولومبوس شخصية تاريخية ينقسم حولها الناس نظرا إلى العواقب القاتلة لوصوله إلى هذا الجزء من العالم على السكان الأصليين".