كورونا الجهل والفساد

العراق 2020/06/21
...

سالم مشكور
 
الدولُ التي تفشى فيها وباء كورونا استطاعت السيطرة عليه بعدة عوامل: نظام صحيّ فاعل، وإجراءات عزل ووقاية تفرض بالقوة، ووعي والتزام شعبي، خوفاً من المرض أو من العقوبة.
في العراق نفتقد هذه العوامل مجتمعة، فلا نظام صحيّا قويّا، ولا إجراءات صارمة لفرض تطبيق قرارات العزل والوقاية، ولا وعي لدى الناس للتجاوب مع القرارات الحكومية.
النظام الصحي يعاني من مشكلات بنيوية منذ ما قبل 2003، ولم تجر محاولات لوضع نظام رصين منذ سبعة عشر عاماً لأسباب يطول شرحها، كم من مستشفى ضخم وبأموال طائلة، تعرقل اكماله، وكم من صفقة أدوية استنزفت ميزانيات الوزارة بأسعار مضاعفة ونوعيات رديئة وكميات لا تكفي لسد حاجة المستشفيات المكتظة بأصحاب الامراض المستعصية. مستشفيات تحتاج الى تأهيل، وأدوية حساسة مفقودة بسبب الوضع المالي، وقطاع صحي مشتت بين وزارة ومجالس محافظات، نحتاج الى سياسة صحية مركزية بحيث لا نرى المستشفيات تشهد موت الكثيرين بسبب عدم توفر قناني الاوكسجين، بينما منتسبو مصنع حكومي لإنتاج الاوكسجين يصرخون مطالبين بشراء منتوجه، لكن نقطة الضوء في قطاعنا الصحي  هي الكوادر البشرية المتفانية  التي تعمل جاهدة لخدمة الناس بما تيّسر من إمكانات، خصوصا في ظل تفشي الوباء الحالي. 
أما القرارات الحكومية لمواجهة الوباء فلا تلقى استجابة من الناس في الغالب، وليست هناك من صرامة في فرض هذه الإجراءات، وهذه احدى نتائج اضعاف هيبة الدولة والقانون والقوى الأمنية التي اسهم فيها كثير من السياسيين، خطورة هذا الضعف في فرض القرارات والقوانين تزداد مع غياب الوعي لدى غالبية المواطنين، خصوصا المناطق الشعبية. الجهل يجعل تحدي قرارات الجهات الرسمية بطولة عندهم، فضلا عن اجتهادات بأن كورونا “لعبة سياسية” أو خرافات بشأن حصانة العراقيين ضد الوباء، شدة الجهل تجلت باستمرار الاستخفاف بالوباء رغم اكتظاظ المستشفيات بالمصابين ورغم مشاهد الجثث التي تدفن يوميا في المقابر المخصصة لضحايا كورونا،هذا الجهل وغياب الوعي هو من خلق أو رعاية سياسيين و”زعماء” لا يستطيعون بلوغ مصالحهم الّا عبره.
كورونا يفتك بنا، لكنه وباء سيبلغ الذروة ويتراجع بعدما يأخذ معه أعزّاء وأحبة، أمّا كورونا المتوطنة فهي الجهل والفساد وهما أشد فتكاً بالبلاد والعباد.