حسين الذكر
برغم عيشه عقدين ونصف العقد في أوروبا تحديدا ومع كون صلاح هادي بطلا رياضيا وصاحب فكر حر بعيدا عن التطرف بكل أشكاله .. استغربت عودته الى العراق بعد 2006 .. إذ أن ظروفه هناك ممتازة حسب قوله. فيما أراه يطرق أبواب المؤسسات الرياضية التي قدم لها الكثير، وينبغي لها ان تقدم له ما يستحق كبطل محلي وعربي وقاري في الملاكمة .. سألته مرة عن أسباب عودته ودورانه في شوارع المنطقة التي عاش فيها برغم مواجعها فقال: (يا أستاذ .. كل شيء في العراق أجمل من بقية العالم – ثق حتى أزبالنا لها طعم خاص – ثم بكى – وأردف:- الغربة قاتلة لا يوجد من يفهمك او تفهمه.. لا من ينظر اليك بعين الرحمة والعطف.. هناك عين رسمية جافة لا تخرج من إطارها المادي.. إذ لا روح ولا إحساس.. هنا أحس وأتنفس كل جمال أهلي ومنطقتي برغم ما فيهم).. في عتمة الحظر والجائحة وتصحر الواقع وخراب البيئة نضطر أحيانا لممارسة المشي والترويح في بعض المناطق التي لها أثر وذكرى ما في النفس.. وقد كنت مرافقا لصديقي الفنان صباح شاكر في منطقة البستان التي كانت تعد متنزها لرجالات السلطة أيام الملوكية، إذ أن الملك فيصل كان يجتمع مع الوجيه عبد الهادي الجلبي المالك الأصلي للمنطقة التي سُميت باسمه، وقد وزعت وبيعت لاحقا وتوسعت لتصبح منطقة الحرية كبرى مناطق الكرخ.. والبستان تشتهر بانتشار النخيل الذي يعد ثروة وطنية وعملة سياحية ينبغي المحافظة عليها من قبيل نخلة ثلاثية ذات جذر واحد تبدو مدهشة بجمال إعجازي.. كما لفتة نظرنا نخلة عملاقة منظرها مائل بشكل قد يشكل خطر على من في الشارع أثناء العواصف العاتية.. حدثني صديقي صباح عنها قائلا:- (النخلة عمرها نحو مئة سنة .. لأننا سكنا المنطقة العام 1956 وهي موجودة..) .. وقد تذكرت بعض الأشجار الباسقة في دول أخرى إذ أحاطوها بأسلاك خاصة ثبتت عليها لوحة تشير الى عمرها وتحذر من المساس بها.. وهناك جهات حكومية ترعاها وتشرف عليها بوصفها ثروة وطنية.. قبل مدة تعرفت على الصديق محمد ورد خفيف الظل مسالم محب للخير كان يتردد بجلسة الأصدقاء عند الأستاذ خليل ابو إبراهيم .. محمد هذا سبق له أن هجر العراق قبل سنوات الى تركيا وتحدث عن نجاحاته المهنية هناك وسعادته واستقراره.. المفاجئة أني رأيته في ظل حصار كورونا.. وقد استغربت عودته للعراق برغم الظروف القاهرة التي نعانيها، فضلا عن نقص الخدمات حد الأسى والضجر والإحساس بالتخلف مقارنة مع الاخرين .. فقال: (يا أستاذ.. لا أتحدث سياسيا، لكن الوطن غالٍ والغربة قاتلة ولا أحس بإنسانيتي إلا بالانتماء.. حيث أهلي وناسي بحلوهم ومرهم وجلساتهم.. ثق كنت مستغنيا مالا ولديَّ سيارة وشقة وعمل وراحة تامة كما أشتهي وأريد.. لكن عراقا صارخا مدويا طول الخط في دواخلي.. كل حين يجرني جرا، لا أعرف كنهه ولا أدري مصدره، سوى أن جذورا تناديني وصوتا منلوجيا يستصرخني حد الانقياد اليه.. وها أنا في عراقي فوق كل الأعراق والأجناس .. لا عنصرية بل حب وانتماء وإحساس.. لذا أنا هنا ..