مع الأسف

بانوراما 2020/06/23
...

نزار عبد الستار
 
أنْ نخسرَ آدميتنا كمواطنين، هذا أمرٌ لم نعد نبكيه، لكنْ أنْ نفقد بشكلٍ مريع كل أنواع النضج الكياسي وتتراجع فينا الاعتبارات الاجتماعيَّة وبروتوكولات التعامل الفطن، وأنْ نبدو مهلهلين في ثقافتنا، وأخلاق مخاطباتنا، دولة وشعباً، فهذا هو العار الأكبر.
ما هو الداعي لأنْ يقول مدير مستشفى إنَّ أحمد راضي مات في الحمام؟. ما درجة أهمية هذه المعلومة، وهل من المعقول ألا ندرك أننا نحقر الرجل المتوفي وننتقص من قيمته ورمزيته بمعلومة كهذه؟ 
ولنفرض أنَّ مدير المستشفى ارتبك وأخطأ وتكلم من منطق تقريري، فكيف بالإعلام العراقي الذي يفترض انه يصيغ الخطاب بمقبولية أنْ يتداولَ هذه المعلومة ويعيد ويصقل بها من دون أي اعتبار لمكانتنا بين 
الأمم؟.
هل يعقل انَّ كل القنوات الفضائيَّة العراقيَّة تخلو من الكياسة، والذوق، والنضج، ولا تفرق بين الإهانة 
والتوقير؟.
إعلاميونا وبشرنا تداولوا صوراً لقبر أحمد راضي مع فيديو لطريقة دفنه والكل أخذ يسب الدولة، ولا أحد انتبه إلى أنَّ هذه الصور مشينة، وهذا الفيديو لا يفترض عرضه، وهو يسيء جداً لأحمد راضي نفسه وليس لأحدٍ آخر، فطريقة الدفن هذه متبعة بكل دول العالم نتيجة خطر الفيروس، وهناك دول تحرق الجثث، وأخرى تطمرها بمقبرة 
جماعية.
أي مغزى من نشر هذه الإجراءات سوى التحقير والإشارة حتماً الى همجيتنا وبعدنا عن 
الحضارة؟.
رئيس الوزراء يغرد فتنهال عليه التعليقات العجيبة الغريبة التي تنم عن جهل وسوء سلوك، وتجاوز غير مؤدب. يا اخوان هذا رئيس الوزراء ويجب أنْ نخاطبه بكل احترام ليس لشخصه وإنما لرمزيته.
لا يجوز إهانة رموز الدولة مهما كانت أفعالها لأنَّ هذا يتصل بالأخلاق والتربية والسلوك. إذا نحن فقدنا أدب المخاطبة فكيف سنربي أجيالنا، وأين هي أخلاقنا أصلا إذا كنا نهدرها بهذه الطريقة المهينة مع رموز 
دولتنا؟.
السفير البريطاني يعزي الشعب العراقي فتنهال عليه الشتائم لماذا؟. من أين جاءنا هذا السلوك المشين وما علاقة التعزية والسفير نفسه بكل هذه الإهانات التي نلقيها بكل 
خزي؟.
أين الأخلاق في هذا؟. لماذا لا نرد باحترام وتحضّر ونقول له شكراً؟. 
إذا كانت بيوتنا لم تعلمنا، والمدارس لم تعلمنا، وهذه الدواوين العشائريَّة التي نفخر بأصالتها لم تعلمنا، وإذا كان فيلم الرسالة الذي حفظناه لم يعلمنا، فمتى سنتعلم آداب المخاطبة، ومتى سندرك وقع الكلام وماذا علينا أنْ نحترم وكيف يجب أنْ نتكلم؟.
مع الأسف.. يبدو أنَّ هذا البلد لم يتقهقر ليكون أسوأ مكان للعيش في العالم فقط، بل إنه تراجع الى درجة أننا يجب أنْ نتباعد عن بعضنا البعض سواء كان هناك كورونا أم لم 
يكن.