حميد المختار
عقيل علي شاعر عراقي كبير واشكالي خطير ، شغل الوسط الثقافي لاوقات طويلة وظل بعيداً عن اضواء هذا الوسط المنشغل به ، ترك كل شيء البيت ، العائلة ، الناصرية ، الا الشعر ظل مخلصاً له كالخبز الذي كثيراً ما احرق يديه وهو يمدهما في فوهة الفرن الحارقة ليخرج منه الرغيف ، وهو كذلك فرّان يعمل في الخبز وينشئ في الوقت ذاته تكوينة القصيدة التي ستكون بطعم الخبز ولذاته الكبرى للجائعين ، وهو حداثي منذ وقت مبكر جداً خصوصاً مع جيله السبعيني الذي كثيراً ماكان يناصبه العداء ويبعده عن متنه الى الحواشي المنسية ربما غيرة او حسداً او بغضاً ، لكن عقيل البوهيمي الضائع في غابة الشعر كرامبو تماماً تركهم كلهم وعاد الى نفسه يحاورها بعيداً عن مغريات الاضواء والاناقة والمنصات والتجمعات والمهرجانات ، ترك لهم الجمل بما حمل وعاد الى قصيدته التي حفظت وقع اقدام الحداثة وما بعدها وهو الذي ابتكر اشكاله المغرية في قصيدة النثر التي تميز بها كثيراً ، حتى ان البعض من اقرانه اتهمه بالسرقة ، لان النماذج التي ابتكرها في الكتابة الشعرية فاقت مخيلة جيله النمطي في الكثير من الاشكال الشعرية المستهلكة ، لكن الكحول ظل له بالمرصاد وقاده الى الادمان والوحدة والابتعاد حتى عن الشعر ، ولا احد يعرف الحقيقة ، هل كان يكتب في خلواته وليالي سكره الطويلة ام انه كحال العظماء من الشعراء الذين تركوا شعرهم بعد ان وضعوا عليه بصمتهم الخالدة وهذا هو الذي حدث مع عقيل علي صاحب البصمة المشرقة في الشعر العراقي الحديث ، قصائد النثر التي كتبها عبارة عن هندسة لغوية وكون مرسوم بايقاع خاص به : يقول في حوار له بمجلة الكلمة عام 1974 : لا اتوق الى محاولة تفسير الشعر ولا امنهج القصيدة ولا امنحها الحدود .. ثمة مخاوف عديدة واحزان لها ان تنفجر لتكون قصيدة او دموعاً .. هذه هي الحكاية .. زمن القصيدة حجمها .. يلدان بتلقائية ولا موعد مسبق .. اكثر الشعر لدينا جسد زنخ بثياب نظيفة ، وقصيدة النثر خصوصاً حوصرت بمرارة ونجاحها رهين باخلاص شعرائها لها ، وقد اخلص لها فعلاً فكان فارسها بحق والدليل ماتركه من شعر في ديوانيه اليتيمين ( جنائن آدم ) 1990 و ( طائر آخر يتوارى ) عام 1992 ولديه العديد من القصائد المهمة التي نشرها في الصحف والمجلات العراقية وقد نشر اخوه الفنان عباس علي ( اوروك ) اعماله الكاملة واقيم له احتفال مهيب في دائرة السينما والمسرح وقد شاركت انا في هذه الاحتفالية وقرأت بعضاً من قصائده على مسامع الجمهور ، والسؤال الان : متى يستذكر الوسط الثقافي هذا الشاعر او متى يقيم اتحاد الادباء في العراق احتفالاً لذكرى هذا الشاعر الحداثي المهم ؟ ومتى تصحو وزارة الثقافة وتلتفت الى مؤسسي قصيدة النثر في العراق وتذكر الناس بهم وخصوصاً الاجيال الجديدة ؟ انها اسئلة كبيرة بحاجة الى اجابات مقنعة !!!....