نوستالجيا

بانوراما 2020/06/24
...

ميادة سفر
 
تطالعنا بين الحين والآخر الصفحات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، بصور منتزعة من زمان سابق وتوضع إلى جانبها صور حالية من الواقع الراهن، في محاولة لمقارنة قد لا تكون عادلة بل هي حتماً برأيي ليست مقارنة عادلة بين زمنين اختلفت فيهما الأفكار والتوجهات والقيم والمبادئ التي كان يتبناها أهل ذلك الزمن عما يحمله أبناء هذه الفترة الزمنية وما يقومون به من أعمال.
اللافت في تلك الصور التي قلت عنها المقارنة بينها غير عادلة، أنها تصور، لا سيما درجة التحرر والانفتاح على الآخر والظروف الاقتصادية الأكثر رخاءً والعلاقات الاجتماعية الأكثر دفئاً، ما لفتني أكثر تلك الصور التي نشرت من قبل الكثيرين في سوريا والعراق ودول غيرهما لوضع المرأة، التي شغلت عدداً كبيراً من مقاعد الجامعات وبمختلف الاختصاص، والزي الذي كانت ترتديه والأفكار التي تبنتها وناضلت من أجلها، وتلك التي تنشر اليوم والتي تحولت بقدرة قادر إلى وضع مختلف وأكثر محافظة وأكثر تشدداً، علماً أنه من المفروض وبحكم مبدأ التطور كان يجب أنْ يصبح الوضع أفضل وأقل تعقيداً، ألا يدعونا هذا للاستغراب والاستهجان، ووضع عشرات إشارات الاستفهام والتعجب عما أوصل حالنا إلى ما نحن عليه اليوم، كيف نسمح ومن سمح لتلك المجموعات من اختراق مجتمعاتنا والتغلغل فيها وتغيير مساراتها واتجاهاتها والأخطر 
أفكارها؟.
“الزمن الجميل” هذا المصطلح المليء بالنستولوجيا والحنين إلى الماضي، ألسنا نحن أبناء البشرية الأشرار من أفسحنا المجال “للزمن القبيح” إنْ صحَّ التعبير ليتمدد في حياتنا، ألسنا نحن من تنحينا جانباً ونأينا بأنفسها عن الدخول بصراعات وجوديَّة دفاعاً عنا وعما نحمل من فكر، لقد أسهم الجميع أفراداً وجماعات في الوصول إلى ما نحن عليه اليوم من تردٍ وتخلف، وجلس الواحد منا متحسراً على زمن ولى، والتطلع بعين الريبة والتردد إلى الغد.
ما يثير الاستغراب ذاك الشباب المهاجر إلى أوروبا وأميركا، حين لم يجد في بلده بيتاً يأويه فآوته الحدائق والأرصفة، ولا عملاً يقتات منه فاقتات على ما تصدقت به الجمعيات الخيريَّة “وما أكثرها في بلادنا”، تراه يحن ويئن على “ماضٍ تولى”، ألا يجدر به بدلاً من هذا أنْ يسعى للمشاركة في تغيير ما هرب 
منه.
يحيا إنساننا العربي أينما حلّ حالة من الاغتراب عن واقعه ومحيطه، لا هو قادر على إيقاف الزمن المتسارع بكل تطوره وتغيره، وبات عاجزاً عن اللحاق به، فوضع “الحزن في الجرن” 
واستسلم.
يقال أنّ علينا “التحرر من تأثير الحاضر علينا لنعيش بسعادة”، لكنَّ التحرر لن يكون بالعودة إلى الماضي والوقوف على الأطلال، فالحل للمشكلات التي تحيط بنا والأوجاع التي تتربص بحيواتنا يكون بصنع واقع جديد يرسم معالم طريق لمستقبل يتلاءم مع طموحاتنا ورغباتنا، لنترك لمن سيأتي بعدنا ما قد يجدون فيه شعاعاً تنويرياً، قبل أنْ نرمى في مزبلة التاريخ.