ترجمة: ليندا ادور
بعد الغاء مواعيد لعب الاطفال معا وتحول المدارس الى افتراضية، يعاني الاطفال الوحيدون من العزلة وهم في دور التكوين، لكن كيفية تعاملهم مع الامور تعتمد على شخصيتهم. ان كنا نؤمن بان السلبية تقولب، فان الاطفال الوحيدين هم انعزاليون وغير متوافقين بالفطرة، وان كنا نؤمن بالعلم، فعلميا، لا توجد اختلافات في النمو بين الاطفال الوحيدين وبين الاطفال الذين اعتادوا الصراخ مع اشقائهم. لكن عند تعلق الامر بطريقة تجاوزهم للعزل الاجتماعي خلال جائحة كوفيد-19، فمن الصعب معرفة ما يجب الاعتقاد به.
فهل يقدر الاطفال الوحيدون المكتفون ذاتيا، بشكل غير عادي، على التقوقع مع من بصحبتهم لاشهر، او، مع الغاء مواعيد لعب الاطفال معاً وتوقف المدارس، هل اصبح الوحيد هو الاكثر وحدة بالفعل؟ تتوقف الاجابة عن هذا السؤال على الشخصية الفريدة لكل طفل، تقول الكاتبة ميغان لين، بانه، حتى الان، لم تشكل العزلة مشكلة بالنسبة لابنتها سيمون (9 اعوام): بالنظر الى الامر من الخارج، فهي ذات الطفلة السعيدة التي كانت قبل الاغلاق، لم تذكر شيئا عن الوحدة حتى اللحظة».
مرونة وتكيف
اما اوليفر، (12 عاما) يعيش في بروكلين، فقد اظهر اتزانا وهدوءا خلال فترة الحجر الصحي، بالرغم من بعض الحزن الذي تسبب به الغاء جميع اصدقائه لحفلات اعياد ميلادهم، لكن، من جهة اخرى، فقد استغل اوقات فراغه باعمال التصوير، يعترف اوليفر بالقول: «يبدو امرا صعبا بعض الشيء ان تكون طفلا وحيدا اثناء الاغلاق، لاني لا املك سوى نفسي لامضي وقتي معها»، مضيفا «لكنه قد يكون امرا جيدا، كوننا نسكن في شقة بمدينة نيويورك، وان كان يوجد شخص اخر، ستكون الشقة ضيقة للغاية».
وفقا للدكتورة هنري-لي ستاك، مختصة بعلم النفس السريري للاطفال، فان والدي الطفل الوحيد ليسوا بحاجة الى القلق كثيرا عن الاثار الطويلة الامد لطفولة العزل الاجتماعي بهذه المرحلة بقولها: «نتوقع ان الكثير من الاطفال سيتمكنون من تجاوز هذا الاغلاق وهم يتمتعون بالمرونة والتكيف»، وينطبق هذا الامر، بشكل خاص، ان كان اباء الطفل الوحيد «يقدمون انموذجا عن الهدوء ويوفرون الاتساق والبنية المتماسكة للطفل طوال ايام الحجر» من خلال التواصل الجيد مع طفلهم الوحيد والسعي لتوفير فعاليات كافية له، على الرغم من صعوبة ان يكون الوالدان الصديقين الوحيدين للطفل ورفيقيه في اللعب، خاصة ان كان يتوجب عليهما العمل من المنزل والمسؤوليات البيتية ومخاوفهما الخاصة.
تقول سارة غيلولي، تعمل وسيط عقارات وام للطفلة، الينا، (5 اعوام): «ان التحدي الاكبر لنا كاباء لاطفال وحيدين هو عامل الترفيه والتسلية، اذ عادة ما يكون لديهم في دور الحضانة اطفال مثلهم يلعبون معهم، او ان نجتمع مع اصدقاء لنا لديهم اطفال صغار» مضيفة «الان، كل ذلك لم يعد موجودا، انه امر سيئ للغاية، فنقول حسنا، سنلعب بدمية «باربي» او «ليغو»، لكن بعد ثلاث ساعات من اللعب، سيكون قد قضي امرك، أليس كذلك؟».
سلوكيات جديدة
بامكان الاطفال الوحيدين الاكبر سنا، مثل سيمون واوليفر، ابقاء انفسهم مشغولين، تقول ميغان: «رأيت سيمون وهي تحول علبة من الورق المقوى الى شكل البومة، استمر المشروع على مدى ساعتين وانجزته بمفردها، بينما كنت اقوم باعمال المنزل». لكن هذا لا يعني ان الاطفال الاكبر سنا سيقضون وقتا اسهل او اقصر في ذلك، ففي حقيقة الامر، والكلام لستاك، ان الاطفال في سن ما قبل المراهقة وما فوق، «يمكن ان تكون تلك هي المرحلة العمرية التي يصعب عليهم الابتعاد عن اصدقائهم فيها، اذ يلعب الاصدقاء دورا كبيرا في حياتهم في تلك المرحلة، التي يبدؤون فيها بادراك شخصياتهم كافراد بعيدا عن اسرهم». ولكون المحافظة على الصداقة عاملا مهما جدا للاطفال الاكبر سنا، تعمل ستاك على تشجيع الاباء لدعم اي وسيلة للتكيف الاجتماعي ينجذب اليها اطفالهم.
ترى ستاك انه بالرغم من ان الاطفال يتمتعون، بشكل عام، بالمرونة، الا ان الصحة العقلية والقضايا السلوكية يمكن ان تستفحل بسبب الضغط النفسي والغرابة والركود بسبب الجائحة. تقول ستاك: «ان كان طفلك يميل الى ان يظهر قلقا اجتماعيا اكثر بين اقرانه، فمن المتوقع ان يزداد قلقه سوءا مع قلة تواصله مع اقرانه». اما بعض الاطفال، فقد تتطور لديهم سلوكيات جديدة اثناء الاحتماء بسبب الوباء، فقد لاحظت سارة ، ان ابنتها الينا، التي كانت سعيدة على الدوام، قد اصبحت قلقة بعض الشيء، تقول: «كنت اغادر الغرفة دون ان تعير اهتماما لذلك، اما اليوم صارت تشعر بالذعر» ووفقا لستاك، فانه امر طبيعي لدى اطفال لم يكن لديهم تاريخ يتعلق بمشكلات سلوكية للتعبير عن قلق او غضب او حزن غير مسبوق كرد فعل عن ضغط الاغلاق.
لكن، تعبر ستاك عن تفاؤلها بقولها ان بامكان الاطفال التعافي من هذه المشاعر خلال بضعة اشهر من استئنافهم لنمطهم الاجتماعي المعتاد. تقول: «ان كنا بمواجهة تغيرات ثقافية طويلة الامد، ولا يمكننا خلق تفاعل اجتماعي كبير كما نرغب، قد يتسبب ذلك بحدوث صعوبات للطفل بمرحلة تطوره، فقد يبدو وكأنه اقل تركيزا على التفاعل الفردي، وقد يشعر ربما بارتياح اكبر مع التفاعل الافتراضي».
وفي حال كان لديهم اشقاء ام لا، فان اطفال اليوم يتعاملون مع الضغط النفسي والغرابة
والعزل خلال مرحلة تكوينهم، يوما ما سيخبروننا عن نوع التأثير الذي تركته الجائحة في حياتهم.
* صحيفة الغارديان البريطانيَّة