قرن من الزمن على ثورة العشرين

العراق 2020/06/30
...

بغداد / مهند عبد الوهاب
السماوة/ احمد الفرطوسي
يحيي العراقيون اليوم الثلاثاء الـ 30 من حزيران ذكرى مرور 100 عام على ثورة العشرين التحررية في سنة 1920، والتي اندلعت في البداية بمعقل الثورة مدينة الرميثة البطلة بمحافظة المثنى لتعم جميع مناطق الفرات الأوسط والجنوب بعشائرها العربية الأصيلة، مسندة بفتوى الجهاد ضد الاحتلال الانجليزي التي أصدرتها المرجعية الدينية في النجف الأشرف، وبينما يستذكر برلمانيون وسياسيون تاريخ الثورة؛ طالبوا الحكومة باتخاذ يوم الثورة مناسبة وطنية لتبقى نقطة مضية خالدة على مر الأجيال.
رئيس لجنة التعايش السلمي عبود العيساوي وحفيد الشيخ عبود آل عنيد أحد قادة ثورة العشرين، قال لـ "الصباح": إن "ذكرى ثورة العشرين تأتي لتخلد تاريخاً مهماً من صفحات النضال والتلاحم الشعبي والعشائري العراقي الذي انطلق وتكون بشكل فطري لدى العراقيين لرفض الاستعمار والاحتلال، وهي دليل على الوحدة  والحس الوطني لدى كل العراقيين".
وطالب العيساوي، "الحكومة والجهات والمؤسسات المعنية بوضع برنامج سريع للاحتفال بثورة العشرين المئوية، يأخذ بنظر الاعتبار الظروف الصحية، وذلك عبر بث الافلام الوثائقية عن تاريخ هذه المرحلة النضالية"، داعيا "الرئاسات الثلاث الى إصدار قرار يعتبر ذكرى هذه الثورة الشعبية الكبرى مناسبة وطنية".
وأشار الى أنه، "بالاتفاق مع وزير الثقافة وجماعة خان الشيلان، اتقفنا على أن تعقد (اليوم الثلاثاء) جلسة عبر دائرة تلفزيونية مغلقة يتحدث بها مجموعة من الاساتذة عن تاريخ هذه الملحمة الكبيرة في العراق", مشددا على ضرورة أن "تعمد الجهات والمؤسسات المعنية الى وضع برنامج سريع يأخذ بنظر الاعتبار الظروف الصحية التي تعاني منها البلاد بسبب مخاطر انتشار وباء (فايروس كورونا) واقامة احتفالات رمزية من معارض وبرامج إعلامية وفعاليات باستخدام الانترنت".
وطالب العيساوي "رئيس مجلس الوزراء باصدار أمر بذلك وتكليف الوزارات المعنية بوضع هذا البرنامج السريع، تشارك فيه عدد من الجامعات والمؤسسات الاعلامية والثقافية والاجتماعية بشكل يتلاءم والظروف الحالية"، داعيا "رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب الى إصدار قرار يعتبر ذكرى هذه الثورة الشعبية الكبرى، مناسبة وطنية أسوة بالمناسبات والاعياد الوطنية، تكريما لشهداء الثورة ولزعمائها (خاصة من العشائر العراقية)  الذين لبوا نداء الوطن وفتوى المرجعية الدينية وقتها، للخلاص من الاحتلال البريطاني وتحقيق الاستقلال الناجز وإقامة الدولة العراقية".  
 
أول ثورة شعبية
وبين ان "ثورة العشرين تعتبر أول ثورة شعبية اشتركت فيها كل الشرائح الاجتماعية وأولها العشائر العراقية، وكانت عشائر الفرات الأوسط هي العمود الفقري للثورة وشاركت فيها عشائر من الجنوب والوسط وبغداد وأبو غريب وديالى وتلعفر".
ولفت الى أن "هناك العديد من المعارك المعروفة منها (السوير والكوفة والعارضيات والمدفع والرارنجية وحصار أبو صخير)", مبينا ان "هذه الثورة أسست للحراك الشعبي الفطري الذي يؤمن بالكرامة وبالاستقلال، ودلت على أن المجتمع العشائري الاصيل يستند الى وطنيته وأرضه، وإن ذلك المجتمع على الرغم من بساطته، فقد كان يجنح الى قانون وبناء دولة، لذلك كانت نتائج الثورة ولادة المملكة العراقية وكتابة الدستور سنة 1925".
وأضاف العيساوي، إن "زعماء القبائل المنتفضة كانوا يدركون أن إدارة الدولة تحتاج الى (مدنيين وتكنوقراط) لذلك لم يحشروا أنفسهم في المناصب بقدر ما فتحوا المجال لأصحاب الخبرة من رجال القانون والمهندسين والاطباء وغيرهم من الكفاءات", مشيرا الى أن "قادة الثورة لم يكن لديهم نفس طائفي، والدليل أن الزعماء سجنوا في سجن الحلة المركزي وقسم آخر اتجه الى الحجاز وكان يقابل الشريف الحسين بن علي واتفقوا  على أن يأتي فيصل ابن الشريف حسين ليحكم العراق، وهو دليل على عدم وجود الطائفية".
 
تلاحم وطني
من جانبها، قالت النائب المستقلة ندى شاكر جودت لـ "الصباح": إن "انتفاضة عشائر العراق في ثورة العشرين، كانت دليلا على التلاحم الوطني ووحدة أبناء البلد، وهي امتداد لتاريخ  يعيد نفسه في تحقيق  الانتصارات على أرض العراق وطرد الارهابيين والانتصار عليهم".
وأكدت ان "وقفة العشائر العراقية المشرفة في ثورة العشرين  تجسدت في مواقفها الوطنية والتضحيات الكبيرة التي قدمتها لاحقاً، ففي الزمن الحاضر تصدت تلك العشائر وقاتلت من أجل وحدة المجتمع العراقي في كل أرض العراق، ومساندتها للحكومة الاتحادية والقوات الامنية في الجيش والشرطة، وتلبية نداء المرجعية الشريفة للدفاع عن الشرف والكرامة وتحرير الارض".
وأضافت، إن "العشائر العراقية لبت نداء المرجعية في أول فتوى ضد الاحتلال البريطاني وللمرة الأولى لتنطلق ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني، ولبت نداء المرجعية في الفتوى الثانية ضد الارهاب وهو دليل على انتمائها وأصالتها".
بينما أشار النائب مضر الزيرجاوي الى  أن "ثورة العشرين كانت وستبقى راية ترفرف في تاريخ ومستقبل العراق، وهي ليست كأي يوم من الأيام؛ وإنما تاريخ ومستقبل ووقفة مشرفة للعشائر العراقية التي وقفت وستقف للدفاع عن العراق والعراقيين". وأضاف لـ "الصباح"، إن "العشائر العراقية أثبتت قدرتها على تحرير الارض وتلبية نداء المرجعية الرشيدة للقضاء على الاستعمار البريطاني، واستطاعت أن تقارع الاستعمار البريطاني بأبسط سلاح متوفر لديها في حين كانت بريطانيا من أكبر دول العالم آنذاك، ولكن بعقيدة الانتماء الى الارض العراقية والنخوة استطاعت العشائر المنتفضة أن تحرر الارض من الاحتلال". ولفت الى أن "العشائر ستبقى الدرع الحصين للوطن بأصالتها وانتمائها ودعم الدولة في تحقيق الأمن وبسطه في كل أرجاء العراق", مشيراً الى أن "العشائر انتفضت في ثورة مجيدة أسست  لكل الانتفاضات والحركات الشعبية في مراحل تاريخ العراق الحديث، وأكدت على رفعة العراقيين التي تدفعهم لرفض الظلم  والمطالبة بالحقوق والإصلاح".
 
تزييف "المسألة الكبرى"
من جانب آخر، كتب الأديب والقاص زيد الشهيد، عن ثورة العشرين بين واقعة الرميثة وسيناريو فيلم "المسألة الكبرى" وبدأ حديثه لـ "الصباح" بأهزوجة :
لوَن شعلان يدري انباكت الثورة
جا فج التراب أوطلع من گبره
موش بخان ضاري.. بالرميثة المسألة الكبرى
الشاهد عدنه الشاهد.. كلنا أيتام من العشرين
 
هذي الأهزوجة التي رددها الشاعر حداوي الظالمي (أبو عبد)، القادم من ثنيات العشائر العراقية لبني حجيم المرابطة تاريخياً على رقعةٍ لا يُستهان بها من الفرات الأوسط ألغت تراتبيات فيلم "المسألة الكبرى"، وأطاحت بالتزييفِ التاريخي الذي قُصِد تكريسه، فاستحال الفيلمُ محطَّ سخريةٍ، ومنبعَ استهجان،. إذْ لم يَرد ذكرُ "الرميثة" بؤرةُ ثورةِ العشرين في الفيلم، ولم يؤت على أبطال الثورة وقادتها أمثال "غثيث الحرجان وشعلان أبو الجون وحسين آل صندوح وسوادي آل حسون وسلمان آل ناصر وخوام آل عبد العباس وسلطان آل شنابه وغيرهم".
لم ينصف الفيلم الرجالَ الخّلَّصَ؛ ولم يعطِ للمدينةِ شرفَ الاحتفاء بها، وكان عدمُ الإنصاف هذا جاء امتداداً للحقد التي صبَّته الحكوماتُ المتعاقبة منذ ثورة العشرين العام 1920 حتى التغيير عام 2003، فأُشبِعت الرميثةَ والعشائر التي حولها اهمالاً، وتجهيلاً، وتهميشاً، ولا مبالاة، وملاحقات، وإعدامات، وانتهاكات، ومَن زار الرميثة قبل التغيير فانه  لن يجد فيها شارعاً حديثاً منظماً، ولا بناية ناهضة تثير التفاؤل، ولا اهتمامات صحية بائنة؛ ولا خدمات بلدية مُرضية، إنَّها القضاءُ المُهملُ بجدٍّ، والمطعونُ بكلِّ إصرار.
 
الرميثة الثورة والتاريخ
تبلغ مساحة الرميثة كقضاء 112كم2، ويُقدَّر عددُ سكانها 120 ألف نسمة، وكانت ناحيةً تابعةً لقضاء السماوة التابع هو الآخر للواء الديوانية قبل أنْ تُستحدث قضاءً بموجب المرسوم الجمهوري المرقم (402 ) في 30 /3 /1969.
يمتاز القضاءُ بالزراعة الصيفية والشتوية وأغلب سكانه ريفيون يميلون إلى الالتزام بعرفهم القبلي المشدود إلى أعماق غائرة في التاريخ، وبذكر الرميثة ينتفض اسم ثورة العشرين؛ مثلما ينتفض شعار "الطوب أصلب لو مكواري" كمقارنة تفضيلية بين المحلي الراسخ والأجنبي القادم.
ويعرف عنها أنَّها عصية على الغرباء المتجبرين؛ وصلبة قاسية مع الأهل المتجنين، في حياتها الفتية حدثت عدة انتفاضات وعصيانات بدءاً من عام 1935 مروراً بالأعوام 1936، و1953، و1954، وآخرها في 2/7 / 1999.
 
ثورة العشرين .. الحيثيات والتفاصيل
يقولون أن لكل ثورة لا بد من شرارة تشعلها وأجواء توقدها، ولكن مَن يطلق هذه الشرارة لتكون البادئة في إشعال الهشيم؟ ومن هو الشجاع الذي يرفع العود ويضعه في فم الوقود كي تندلع النيران؟، في عام 1920 كان لوجود القوات الإنكليزية على أرض العراق حساسية لها تأثير خاص، أخذ الجانب الديني منها مأخذاً مؤثراً، ولم ينظر لوجودها آنذاك إنقاذاً فعلياً من هيمنة السلطة العثمانية المقيتة التي أخرّت تقدم العراق لقرون، وأطاحت بطموحات رجالاته في السير مع ركب الحضارة الإنسانية.
وكان انْ حدثت الشرارة من "الرميثة"؛ ومن العمق الريفي البسيط، اندلعت اثر اعتقال "شعلان أبو الجون" أحد شيوخ عشيرة الظوالم عندما سمع الميجر ديلي الحاكم العسكري لناحية الرميثة في 25 من شهر حزيران أن عشيرة الظوالم وهي فرع من بني حجيم أعلنت العصيان على الحكومة وأنها ستكون في حرب معها، ومن أجل كسر شوكة العشيرة اختلقت السلطة دعوى عدم تسديد شعلان ابو الجون ديوناً تقدر بثمنمائة روبية كما تشير المسز بيل في كتابها "فصول من تاريخ العراق القريب" عليه كمبرِّرٍ لاعتقالِه، فَسيقَ إلى مركز شرطة المدينة موقوفاً ليرسل في قطار الليل إلى مدينة الديوانية مركز اللواء لمحاكمته. 
وعندها أخبر شعلان أحد أتباعه أن يذهب إلى الشيخ "غثيث آل حرجان" شيخ عشيرة الظوالم، وبسرعة ليجلب له عشر ليرات تركية، ويبدو أن هذه كانت شيفرة ما بين شعلان وغثيث، وكان أن قدِمَ في نفس الليلة عشرةُ رجالٍ أشداء اقتحموا المركز الذي يعتقل فيه شعلان، ولم يكن في المركز آنذاك سوى أربعة من الحراس، قتل المهاجمون اثنين وفرَّ الاثنان فأُطِلق سراح شعلان، هذا الإطلاق الذي جدح الشرارة التي أتت على ألوية العراق طولاً وعرضاً.