الرقيب.. هل فقد ظله؟

آراء 2020/07/04
...

  د. محمد فلحي
 
يتصاعد الجدل كلما تفاقمت الأزمات وانتشرت الشائعات بشأن ضرورة تنظيم حق الحصول على المعلومات، وكيفية مراقبتها ومعاقبة من يرتكب جرائم معلوماتية تنتهك خصوصية الفرد أو تهدد المجتمع والنظام العام، ولا يزال العراق، من بين دول عدة، يخوض في بحر المعلومات المتلاطم دون وجود تشريع متخصص يحمي الفرد والمجتمع!
هناك وهم رافق النشر الالكتروني عبر مواقع الانترنت يتمثل في غياب سلطة الرقيب، كما يتصور الكثيرون، 
فقد راح الناس ينشرون ما يريدون من دون وجود(حارس البوابة) الذي كان دوره في الإعلام التقليدي تدقيق وتعديل وحجب وتمرير الرسالة الإعلامية، وفق معايير سياسية واجتماعية محددة!
الرقابة تعني لغوياً، الحراسة أو جعل الحبل في الرقبة، ويقصد منها قمع الكلام أو الآراء العامة أو أي معلومات أخرى يمكن اعتبارها غير مقبولة أو ضارة أو حساسة أو غير صحيحة سياسياً أو دينياً او اجتماعياً أو غير ملائمة على النحو الذي تحدده الحكومات أو وسائل الإعلام أو غيرها من الجماعات أو المؤسسات، ولا شك ان دور حارس البوابة قد تراجع وتغيرت طريقة الرقابة في عصر الانترنت، لكنها لم تختف، كما يبدو ظاهراً!
في بيئة مواقع التواصل الاجتماعي المفتوحة بدون قيود، هناك رقيب حاضر في كل لحظة، لكنه عكس الرقيب الأمني يمارس رقابته الخفية بذكاء ومهنية وتقنية عالية، فلا نكاد نشعر بوجوده، لكننا نعرف سطوته عندما يظهر في الوقت المناسب!
الانترنت يعد اليوم بحراً واسعاً يضم المفيد وغير المفيد من المعلومات والأفكار، وقد عملت الكثير من دول العالم على محاولة وضع ضوابط قانونية وأخلاقية وأمنية لحماية المجتمع من المعلومات الضارة والكاذبة والمتطرفة ويمكن تقسيم الرقابة الالكترونية في عصر الانترنت إلى الأنواع التالية:
1 - رقابة تقنية وسيطرة على محتوى الانترنت وتقويمه.
2 - قوانين وتشريعات ومواثيق شرف لحماية المجتمع من محتوى الانترنت.
3 - رقابة المستخدم أو الرقابة الذاتية من خلال توعية مستخدمي الانترنت بشأن كيفية التعرف على المعلومات الضارة أو الكاذبة ومخاطرها.
الرقابة على الإنترنت هي التحكم في النشر أو الوصول إلى المعلومات، وتستخدم في الرقابة تقنيات تعتمد (الفلترة) باستخدام جدار ناري أو بروكسي، من خلال إجبار جميع المستخدمين التابعين لمزود خدمة انترنت معينة على العبور عبر الفلاتر قبل الوصول إلى بقية شبكة الإنترنت.وهناك مواقع الكترونية (محركات بحث) تعتمد تقنيات خاصة بمتابعة وتقويم محتوى المواقع الالكترونية وتحديد مدى صدقيتها.
أما الرقابة القانونية، فقد تجسدت بنودها في قوانين وتشريعات عديدة أصدرتها الحكومات حسب مصالحها أو مخاوفها من ثورة المعلومات التي زعزعت عروش الحكام!
تعدُّ وثيقة المبادئ الدولية لتطبيق حقوق الإنسان في ما يتعلق بمراقبة الاتصالات التي أصدرتها الأمم المتحدة عام 2014 من أهم القواعد القانونية الدولية لضمان حق الفرد في الحصول على المعلومات وحماية المجتمع والدولة من سوء استخدام المعلومات، ويفترض أن تكون هذه الوثيقة الدولية مرجعاً لأية تشريعات تصدرها الحكومات في ما يتعلق بموضوع الرقابة على الانترنت والاتصالات بجميع أنواعها، لكن يبدو أن أغلب الحكومات لم تهتم بها!
إذا كانت الحكومات تتذرع بحجة حماية المجتمع لتسويغ اجراءاتها في مراقبة الانترنت، وبالأخص مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت الوسيلة الاعلامية والشخصية الأكثر استخداماً في التواصل بين البشر، فإن من المهم أن يكون المستخدم محصناً وقادراً على حماية نفسه واسرته من سوء استخدام تلك المواقع، وهو ما يسمى(التربية الرقمية) أو(الثقافة الرقمية)، وهذه الحماية الشخصية ينبغي ان تأخذ مسارين متوازيين وهما:
1 - المستخدم مرسلاً: ما الطرق السليمة وما نوعية الأخطاء والمخالفات التي يجب أن يعرفها المستخدم ويتجنبها لكي لا يتعرض للمشكلات أو المساءلة القانونية عند النشر في تلك المواقع؟!
2 - المستخدم مستقبلاً:ما المحتوى الضار والأخبار الكاذبة والشائعات التي يمكن التعرف عليها وتجنبها وعدم تصديقها من قبل المستخدم؟!
ويمكن للمستخدم أن يتجنب الكثير من مشكلات الانترنت من خلال المراقبة الذاتية الواعية، فلكل موقع من مواقع التواصل الاجتماعي مزايا واستخدامات وجمهور،وعندما تختار الانضمام إليه عليك أن تعرف ما الرسالة التي تريد نشرها وما محتواها وشكلها(نصوص، صور، فيديوات) وغيرها،ولمن تريد إيصالها.. ولماذا؟!
التحكم في اعدادات الخصوصية لكي تتناسب مع رغباتك واهدافك وجمهورك، فأنت من تختار أصدقاءك الحقيقيين والافتراضيين، وأنت من تسمح لهم بالمشاركة على صفحتك أو التعليق أوالاعجاب، وأنت من تحدد جمهور كل منشور أو صورة،العامة أم الأصدقاء أم أصدقاء الاصدقاء؟!
 استخدم وسائل الحماية وتجنب المحتوى الضار من خلال الأدوات التي تتيحها لك مواقع التواصل، حيث يمكنك تحديد قائمة الأصدقاء أو المتابعين ويمكنك المتابعة أو الغاء المتابعة للصفحة أو المنشورات فيها، كما تستطيع الغاء الصداقة أو التبليغ عن صفحة أو منشور، والإجراء الأخير هو الحظر!
 لا تجعل من صفحتك وسيلة لنشر الشائعات واقتباس أو مشاركة الأخبار من مصادر غير موثوقة أو صفحات غير معروفة وتأكد دائما من مصدر كل معلومة؟
تجنب نشر المعلومات الخاصة أو كشف الأسرار الشخصية والاسرية، مواعيد الحفلات أو أوقات السفر أو حساباتك المالية فهذه قد تستغل من أشخاص آخرين!
لا تتهم أحداً بالباطل أو تنتهك خصوصية شخص آخر، أو توجه تهديداً او تشهيراً لأي شخص، فقد تضع نفسك تحت طائلة القانون أو رد فعل من الجانب المقابل!
خلافاتك الشخصية ولحظاتك العاطفية من أهم خصوصياتك فلا تنشرها على الملأ، وعندما تنشر مقالة او صورة شخصية لاحظ هل يمكن أن يستخدمها شخص آخر ضدك من خلال الابتزاز او التشهير او التسقيط!
يحرم عليك ويمنع قانوناً نشر صور المحادثات الخاصة أو تسجيل محادثاتك الخاصة مع الآخرين،إن أسوأ ما يمكنك فعله عبر مواقع التواصل الاجتماعي هو انتهاك ثقة أحدهم بك، ونشر محادثاتك معه ما لم تحصل على موافقة الشخص الآخر المعني بالأمر.