العقوبات الأميركيَّة وأسلحة التجويع

آراء 2020/07/07
...

د. صادق كاظم 
 
منذ وصول ترامب الى السلطة وحتى هذه اللحظة فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أكثر من 20 دولة، نصف هذه الدول من الخصوم والنصف الآخر من الحلفاء في تصرف غريب جعل ثقة العالم بالولايات المتحدة تهتز. أكثر هذه العقوبات شدة وقساوة كانت على دول مثل ايران ولبنان وسوريا وفنزويلا، والسبب خلافات سياسية وليست إنسانية كما تحاول إدارته أن تبرر عقوباتها تلك، فخلاف الاميركيين مع الايرانيين بشأن الاتفاق النووي وخشية واشنطن من تقدم برامج التسلح الايرانية، فضلا عن دعمها لعدة منظمات مسلحة معادية لتل أبيب مثل حزب الله في لبنان وحماس والجهاد الاسلامي في فلسطين، ونجاح هذه التنظيمات في إلحاق الهزيمة بالجيش الصهيوني خلال الحروب الأخيرة، دفع واشنطن الى ممارسة المزيد من الضغوطات والعقوبات الاقتصادية على إيران، والحال ينطبق على الفنزويليين الذين تسببت العقوبات الاميركية في انهيار اقتصادهم نتيجة لمنع شراء النفط مما حرم الشعب الفنزويلي من حق الحصول على احتياجاته الغذائية والدوائية ومتطلباته المعيشية الاساسية الأخرى، ما جعل الشعب هناك يعاني من فقر مدقع، فضلا عن دعم واشنطن لرئيس المعارضة (غوايدو)، ورغبتها في ان يصبح رئيسا للبلاد واسقاط حكم الرئيس مادورو الذي لا ترغب واشنطن به، ما فاقم النزاع السياسي في ذلك البلد.
دورة العقوبات امتدت مؤخرا لتشمل لبنان، إذ تعرضت المصارف اللبنانية الى عقوبات جعلت من التعاملات والتحويلات المالية لها أمرا غير ممكن، إذ تسبب ذلك القرار في حرمان اللبنانيين من الحصول على أموال كافية لتلبية احتياجاتهم الغذائية والمعيشية الاخرى، ما أدى الى حصول ازمة اقتصادية خانقة قادت الى حدوث اضطرابات واعمال شغب ضد الحكومة اللبنانية الحالية التي تستهدفها العقوبات الاميركية بالذات بسبب قربها من حزب الله الذي تعده واشنطن عدوا وخصما 
ستراتيجيا لها.
سلاح العقوبات الاقتصادية واستخدامه في تصفية الحسابات واعمال الانتقام من الخصوم أسلوب غير إنساني وغير عادل، إذ ان الفئات المتضررة منه هي عامة الشعب وحدها وليست الحكومات وهي التي تعاني منه أكثر من غيرها ويتسبب بمعاناة إنسانية خطيرة لها وفي تفاقم معدلات الجريمة لديها نتيجة لذلك، فضلا عن انخفاض القدرات الشرائية وفي تآكل الطبقات الوسطى والمثقفة، وفي صعود طبقات طفيلية تتاجر بالأسواق السوداء وأعمال التهريب وغيرها، فضلا عن انتشار الأمية والجهل لدى
 شعوبها.
الحروب الاقتصادية باتت اليوم السلاح المفضل لدى الولايات المتحدة لترويع خصومها وإرهابهم وإجبارهم على التنازل لها وهي تستخدمه بكثرة لإثبات قوتها وقدرتها رغم أنه يتسبب بمشاكل سياسية، وقد يدفع الى حصول نزاعات وحروب من الممكن تفاديها لو تمت معالجة هذه الخلافات بأساليب أخرى غير السلاح والتجويع المتعمد، فضلا عن أن معظم هذه الخلافات والتقاطعات هي من الأمور المعتادة لدى دول العالم فأي دولة في العالم تتشبث بسيادتها وترى أنها من حقها وحدها وليس من حق واشنطن التدخل في خياراتها السياسية وإجبارها على ذلك. كما أن هذه العقوبات لا تخدم الولايات المتحدة وتجعل مصداقيتها على المحك حين تقدم نفسها على أنها القوة العدوانية في العالم ولها الحق في أن تعاقب خصومها وكل من يختلف معها وليس على الجميع إلا الرضوخ والانصياع رغم أنه لا يوجد نص قانوني دولي واحد يسمح لواشنطن بأن تقوم بمثل هذه التصرفات غير الصائبة، بل على العكس من ذلك ستجعل منها دولة معزولة ومكروهة حتى من قبل اصدقائها المقربين الذين باتوا لا يطيقون هذه الأساليب غير الانسانية والطريقة التي يتعامل بها ترامب معهم حين يهددهم بسحب القوات الاميركية التي تحميهم او دفع الأموال نتيجة لذلك بتصرفات تعكس ذهنية الرئيس ترامب وتعامله معهم بأسلوب تاجر العقارات وليس رئيس أكبر قوة في العالم يفترض أن تحمي السلام وتعززه وتفض النزاعات بطريقة عادلة لا أن تسعى الى ابتزاز الدول وتجويع 
شعوبها.