المسؤوليَّة الاجتماعيَّة لوسائل الإعلام

العراق 2020/07/07
...

شمخي جبر
 
إذا كانت الشركات لديها بضاعة تسعى لتسويقها ولديها سوق ومستهلكون تراعي أذواقهم وسلوكهم الاستهلاكي فإنَّ وسائل الإعلام كذلك وإنْ اختلفت طبيعة البضاعة فإنْ كانت الأولى تشبع البطون فإنَّ الثانية تشبع العقول وترضيها.
من هنا نستطيع القول إنَّ الأهداف تتشابه والمسؤولية واحدة، مسؤوليتها تجاه المجتمع وماذا يمكن أنْ تقدم له وحدود ما تقدم ويتم تحديد هذا من خلال العلاقة بين الطرفين وهو تعاقدٌ غير مكتوب بل هي تلبية لحاجات وتوافق بين المُرْسِل والمُرْسَل إليه أو بين المستهلك والمنتج.
ومصنع البضاعة بوصف الإعلام بضاعة ثقافيَّة تحتاج الى تصنيع، عليه البحث عن المستهلك وتسويقها له بالشكل الذي يرضيه بل يجذبه لهذه البضاعة وحساب الجهات المنافسة وبضائعها وجودة هذه البضائع.
فضلاً عن دراسة سوق المستهلكين وتحديد رغباتهم وتوجهاتهم وحاجاتهم واهتماماتهم وأهوائهم.
هناك حسابٌ يضعه مصنع البضاعة الثقافية أمامه وتساؤل عليه أنْ يجيب عليه: ماذا سيحدث للجمهور بعد استهلاكه الرسالة الاتصالية لوسائل الإعلام؟ وما هو الأثر الذي تتركه فيه؟ هل هناك أعراضٌ بدأت بالظهور على المتلقين؟
هل يتعامل الإعلام مع العقول أم مع الغرائز؟ أم مع الاثنين معاً، هذا يعتمد على طبيعة البضاعة الإعلامية والشعور بالمسؤولية عن طبيعة المحتوى ومضامين الرسالة الاتصالية التي تسعى وسيلة الإعلام لإيصالها للمتلقي فرداً أو جمهوراً واسعاً.
فكما يقول بيير بورديو (الإعلام يقوم بأعمال يدفعه إليها تفكيره بالمنافسين ظنا منه أنه يستجيب لرغبات الزبائن)، إذ هناك حضورٌ دائمٌ لطرفي المعادلة في سوق السلعة الثقافية، هما المنافسون والمستهلكون فيحسب حساب حاجات المستهلكين ويرصد سلوك المنافسين ومواصفات بضاعتهم.
ومن دون حساب آليات السوق ومتطلباته لا يمكن للمؤسسة الإعلامية أنْ تستمر، بل ربما لا تستطيع أنْ تفي بالتزاماتها تجاه العاملين فيها.
هذا يعني أنَّ هناك منافسة وبحثاً عن أرباح وطرائق تسويق وتميز للمنتوج ومواصفاته، يعني هناك سوق ومستهلكون ومجتمع مستهدف، كيف أفوز بالمتلقي الذي هو مستهلك فأكسبه وأجذبه لبضاعتي قبل أنْ يغريه غيري؟ أنا أراهن على المحتوى وغلافه.
كل هذا وغيره لا يعني التخلي عن الجوانب المهنيَّة والأخلاقيَّة ومحددات الدقة والموضوعيَّة ومستلزمات 
أخرى تفرضها أخلاقيات المهنة وهي 
من مقتضيات المسؤولية الاجتماعية للإعلام، كالابتعاد عن خطاب الكراهيَّة والعنصريَّة والمحمولات الطائفيَّة، إذ إنَّ كل هذا يتناقض مع القيم الإنسانيَّة، فضلا عن قيم 
الديمقراطيَّة.
وفي هذا المجال أمامنا كفتان هما الحرية والمسؤوليَّة، تقابلهما كفتان هما الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي (السوشيل ميديا) ففي الأولى تفرض المسؤولية الاجتماعية من خلال الرقابة والتدقيق والتقنين وفي الثانية وفي ظل هذا التدفق الهائل للمعلومات تفتقد الرقابة وتفتقد معها في أغلب الأحيان المسؤولية الاجتماعية ويبقى المحتوى خاضعاً لالتزامات وأخلاقيات الأفراد المدونين.
وجاءت المسؤولية الاجتماعية كردة فعل على الحرية الليبرالية ومراجعة لها. ونظرية المسؤولية الاجتماعية كما يرى الباحثون انها ردٌّ على التقييد والإطلاق في الحريات الصحفية فهي عملية توفيق بين المعسكرين (معسكر الحرية المطلقة ومعسكر الحرية المقيدة).
ومن هنا ارتفعت الأصوات بالدعوات للاهتمام بالمصالح العامة وحاجات المجتمع والسماح بالتعبير عن وجهات النظر المختلفة في دعوة للتعدد ورفض الواحدية في الرأي وان تنشر الصحيفة حتى الآراء المختلفة مع توجهها.
التزام وسيلة الإعلام بالمهنيَّة والموضوعيَّة والدقة جانبٌ 
مهمٌ للتعبير عن المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام في التعبير عن التزام قضايا المجتمع وتطلعاته وقضاياه الحاسمة، فضلاً عن الحرص على المصداقيَّة في نقل الأخبار والمعلومات.