باندحار «داعش» بدأت استعدادات الإعمار

العراق 2018/12/31
...

ترجمة : انيس الصفار 
تظهر الانباء التي تحدثت عن نجاح قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في ازاحة مقاتلي “داعش” من آخر معاقلهم في شرق سوريا ان الموجة قد انقلبت اخيراً ضد الارهابيين بالكامل. ورغم التقديرات التي تزعم أن الالاف من مقاتلي التنظيم الارهابي لا يزالون طلقاء فإن قوات (قسد) بقيادة الكرد والدعم الاميركي قد تمكنت من تفتيت آخر جيب مدني تحتله “داعش” في تلك المنطقة قرب الحدود مع العراق بشكل تدريجي.
وسط التهليل والفرح باستعادة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بلدة هجين واعتبار هذا الحدث دليلاً على ان الصراع قد دخل “ايامه الاخيرة” من المهم ان نتذكر بأن المعركة الحقيقية، أي معركة اعادة بناء الارض والانسان الذي مزقته سنوات الحرب، قد بدأت لتوها.
 
العراق لا يزال يحصي التكاليف
يرينا الواقع ان العراق لا يزال يحاول التعاطي مع الارث المسموم الذي تركته الجماعة الارهابية رغم انقضاء عام على دحره تنظيم “داعش”. ففي هذا الشهر احيا العراق الذكرى السنوية الاولى لنصره على “داعش” بعد حملة مريرة استمرت ثلاث سنوات فقد خلالها عشرات الالوف حياتهم وهجر مئات الالوف غيرهم من مناطقهم.
في مسعى لترسيخ الشعور بعودة الحياة الى طبيعتها، وتجاوباً مع الاحتجاجات والتظاهرات ضد ما قيل عنه من فساد وضعف خدمات، اعلنت الحكومة العراقية ذلك اليوم عطلة وطنية وحث رئيس الوزراء عادل عبد المهدي مواطنيه على الاحتفال بالنصر على “اعداء الحياة والكرامة والحرية والسلام.” كذلك شرعت الحكومة بفتح اجزاء من “المنطقة الخضراء” المحصنة التي تضم الدوائر الحكومية المهمة والسفارات الاجنبية، وهي منطقة كانت محاطة في السابق بالجدران الكونكريتية والاسلاك الشائكة.
رغم كل الجهود التي بذلتها الحكومة لا يزال العراق ينوء بأعباء العنف الذي اتسمت به فترة تسلط “داعش”. فوفقاً لبيانات المجلس النرويجي للاجئين ان اكثر من 1,8 مليون عراقي لا يزالون نازحين عن مناطقهم ومعظمهم لا يستطيعون العودة الى منازلهم بسبب ما اصابها من دمار او ضرر، بينما يحتاج اكثر من 8 ملايين غيرهم الى المساعدات الانسانية، ناهيك عن الاف الاطفال الذين ولدوا لآباء من ارهابيي “داعش” الذين تركوا بلا هوية. خلال ذلك تواصل مجاميع من “داعش” والمتعاطفين معها تنفيذ عمليات تعرض على اهداف عراقية هنا او هناك، الى جانب هجمات في مناطق ابعد مثل هجوم ستراسبورغ في فرنسا مؤخراً.
 
إعادة بناء البلدان والمجتمعات
تناضل المجتمعات التي اخذت تفيق اخيراً من دمار الحرب لإعادة اعمار بناها التحتية كي تتمكن بعد ذلك من التطلع الى المستقبل. ففي مدينة مثل الرقة، التي كانت عاصمة “خلافة داعش” الفعلية في سوريا، دمر نحو 80 بالمئة من بناها التحتية في معارك التحرير خلال العام 2017، بما في ذلك الجسور التي تؤمن الاتصال بالمدن الاخرى.
بدأ العمل بالمشاريع الكبرى لإعادة التجهيز بالماء الصافي وتشغيل نظام الصرف الصحي، بالاضافة الى انشاء مدارس ومستشفيات بديلة لما تخرب. رغم هذا تبقى المهمة هائلة الاعباء ومن الصعب تخيل كيف سيمكن انجاز المشاريع الاكثر طموحاً على المدى القريب، بما في ذلك معالجة مشكلة قطاع الطاقة الكهربائية. خارج المدن يحتاج المزارعون ايضاً وسكان الارياف الى المساعدة كي يتمكنوا من اعادة بناء حياتهم، ولكن امدادات العون شحيحة.
 
إرث العيش في ظل احتلال قسري
اذا ما وضعنا مشاكل البنى التحتية جانباً فإن العطب الذي اصاب اجسام وعقول من اجبروا على العيش في المناطق التي احتلتها “داعش” لا يزال ماثلاً ومجسداً تماماً. عدا هؤلاء هناك كثيرون غيرهم لا يزالون يحاولون التعايش مع ما اصابهم من اغتصاب ومهانة على يد الارهابيين. هذا الارث استرجعته مؤخرا نادية مراد، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، في منبر الدوحة، وهو منصة عالمية للحوار تستضيفها دولة قطر. دعت نادية الحاضرين الى حماية النساء من الاقلية الايزيدية التي تنتمي اليها حتى يمثل زعماء “داعش” امام المحاكم الدولية.
ادلت نادية بذلك الحديث بعد أيام من عودتها من قريتها في منطقة سنجار، حيث وعدت بتخصيص اموال الجائزة لبناء مستشفى هناك. في آب 2014 انقلب حال تلك القرية الى مشهد رعب واهوال بعد اسبوعين من حصار قوات “داعش” لها، وعلى مدى العام 2014 كانت الجماعة الارهابية تواصل مهاجمة البلدات في مناطق سنجار المختلفة بقصد تطهير البلد عرقياً من الاقلية الايزيدية. قتل في تلك العمليات الوف الرجال الايزيديين واخذت نساؤهم، ومعهم نادية نفسها، قسراً ليصبحن سبايا وعبيد جنس. نجحت نادية في النجاة من خاطفيها ثم واتتها الفرصة فيما بعد لتطلع العالم على حكايتها من احد مخيمات اللاجئين، ومن المعتقد ان هناك 500 الف ايزيدي لا يزالون مهجرين خارج مناطقهم وبعضهم يعيشون حياة قاسية في اعالي جبل سنجار بعد ان نسيهم العالم كما يبدو.
بعد حصولها على جائزة نوبل في 2018 اصبحت نادية مراد في طليعة المدافعين عن الناجين من اعمال الابادة والعنف الجنسي. ينصب عملها على رفع وعي المجتمع الدولي بحملة الابادة التي ارتكبها تنظيم “داعش” بحق شعبها وتأمين الدعم للضحايا وتقديم المساعدة من اجل إعادة بناء ديار الايزيديين، وقد كان لها دور فعال في اقناع الامم المتحدة بفتح تحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها تنظيم “داعش” في العراق. خلال حديثها على منبر الدوحة عبرت نادية عن امنية بسيطة ولكنها لامست القلوب، قالت: “كل أملي ان يساعد المجتمع الدولي الايزيديين كي يعودوا الى قراهم ويستعيدوا كرامتهم. حلمي ان اعود الى سنجار واحيا هناك حياة كريمة”.
التخطيط على المدى البعيد
تلك الامنية تردد صداها بين مجتمعات المنطقة وشرائحها المختلفة. فبينما انباء المكاسب التي تحرزها قوات سوريا الديمقراطية في هجين تستقبل بالفرح، باعتبارها دليلاً على تداعي قوات المتطرفين ونفوذهم في سوريا، كان الدمار الذي اوقعته سنوات الصراع على المنطقة يعني ان الطريق لا يزال طويلاً قبل ان يتمكن الاهالي من استعادة الشعور باستتباب الامن والتصدي للتوترات العرقية والبدء بالتخطيط لمستقبل يسوده السلام.
ينبغي الان ان يكون الاستقرار على المدى البعيد هو الهدف المنشود مع التأكيد، ليس فقط على معالجة البنى التحتية المهدمة بل ايضاً على وضع برامج دعم تمكن الناس العاديين من اعادة بناء حياتهم ولم شمل عوائلهم.
*مالك ابراهيم/عن موقع مجموعة يوراسيا ريفيو