الكوابيس يمكن أنْ تكون مفيدة صحياً

من القضاء 2020/07/13
...

ترجمة/ عادل العامل
 
يعاني الكثير من الناس في أثناء النوم من الكوابيس، التي تصفها الجمعيَّة النفسيَّة الأميركيَّة بأنها أحلام مزعجة قوية تستخرج من المرء مشاعر التهديد، والقلق، والخوف، وغيره من الانفعالات السلبية الأخرى. كما أنَّ هذه الكوابيس تُسترجَع عند اليقظة كما هو واضح، وغالبيتها عديمة الضرر تماماً، وفقاً لما جاء في تقرير تيسا لوف هذا.
 

تقلل من الانفعالات السلبية
تُعدُّ الكوابيس عموماً جانباً اعتيادياً من النوم لتسوية بعض الأمور. غير أنَّ شيوعها هكذا يطرح تساؤلاً كبيراً: هل هناك من سببٍ يدفع دماغنا إلى جعلنا نمر بهذه السيناريوهات المخيفة!
يعتقد خبراء الأحلام بأنَّ الجواب: نعم، فالأحلام تخدم غرضاً معيّناً. ورغم أن هذا الغرض غير واضح بالتحديد، فإنَّ البحث في هذا المجال يبيّن على نحوٍ متزايد أن الكوابيس يمكن أنْ تساعد الناس على اجتياز حياة اليقظة بصورةٍ أفضل. ذلك أنَّ الأحلام السيئة يمكنها أن تساعدهم فعلياً على التقليل من القلق في ما يتعلق بمواقف الحياة الواقعية من خلال عملها كبروفات انفعالية أخيرة. وكما تقول البروفيسورة ديردري باريت: «فإنَّ مضمون الحلم يسير في دوائر تكرارية بالطريقة ذاتها التي يتّبعها تفكيرنا في اليقظة. وكل ما تفكر به أو تكافح من أجله وأنت مستيقظ يميل للظهور بهذه الحالة (الكابوسية) التي تكون أكثر مجازيةً metaphoric، وأكثر بصريةً، وأقل لفظيةً”. والكوابيس هي طريقة العقل “لاستباق الأمور السيئة ومحاولة التفكير بما ينبغي فعله عندئذٍ”، وفقاً لباريت.
ويعتقد خبراء كثيرون بأنَّ الكوابيس قد نشأت كاستجابة عصبية للتهديدات التي كانت تطرحها الحياة قديماً قبل أنْ تكون هناك أبواب مغلقة، وأضواء شوارع، ونظام اجتماعي. فكان احتمال حدوث أمرٍ مهلك مسألة حياة أو موت. ولهذا فإنَّ بقاء الإنسان واعياً بذلك حتى في النوم ــ وممارسة سيناريوهات ما ينبغي فعله في حال حدوثه ــ كان أمراً أساسياً للاستمرار على قيد الحياة. “إنَّ الأذي الذي يصيب الناس، في الماضي القديم، هو بطبيعته شيءٌ يمكن أنْ يحدث بسهولة مرةً أخرى”، تقول باريت. “وحصول كوابيس ذلك الأذى المتكررة تساعد على جعلك منتبهاً. وفي مجتمعنا اليوم، فإنَّ الحال ليست هكذا، لكننا لا نزال ننطوي على تلك الآلية الغريزيَّة”.
وهكذا فإنَّ هذه الغريزة يمكن أنْ تكون مسؤولة عن الكوابيس المتكررة وغير الضارة كثيراً، التي تسببها “الاضطرابات الشديدة لِما بعد الإصابة بأذى PTSD “. وخلافاً للكوابيس المنتظمة، فإنَّ كوابيس الـ (PTSD) هذه غالباً ما تحدث خارج نوم فترة ما يُدعى بحركة العين السريعة، وهي حالة النوم العميق حيث يقع أغلب الحلم الاعتيادي.
 
أحلام الأخطار المحتملة
وهذه الكوابيس المتنوعة الشائعة تبيّن للحالم الأخطار المحتملة وقد تكون أو لا تكون هناك إمكانية للقيام بأي شيء إزاء ما يخشاه فعلياً في الحياة اليومية. وتتضمن أغلب هذه الأحلام الشائعة أحداثاً كالسقوط، والتعرض للمطاردة، والموت، وغيره، رغم حقيقة أنَّ المخاوف الأكثر شيوعاً لدى الأميركيين، مثلاً، تتعلق بالحكومة، والبيئة، والمال، وفقاً لدراسة ميدانية. 
وفي الوقت الذي تعتقد فيه باريت بأن أحلام الأخطار المحتملة تنشأ من استجابة عصبية مفيدة، فهي تقول بأن «ذلك أصبح، في المجتمع الحديث، أمراً ضعيف التكييف maladaptive.” بكلمات أخرى، إن البشر المعاصرين لم يعودوا بحاجة لتذكيرهم بأخطار العالم اليوم. وهو أمر يعارضه البروفيسور جون ألان هوبسون قائلاً إن امتلاك غريزة الحلم هذه لا يزال جانباً أساسياً من سلامة حياتنا في اليقظة. “فالحياة خطرة على الدوام، خاصةً الآن في أميركا القرن الـ 21. وأهم شيء ينبغي أن يفعله أي حيوان هو أن يكون خائفاً وأن يعرف متى يعدو ومتى يقاتل. فالبقاء على قيد الحياة يعتمد على ذلك”، كما يقول. 
كما وجد باحثون، يؤيدون فكرة أن الانفعالات السلبية تغذّي الأحلام السلبية، أن الكوابيس غالباً ما تنشأ من أفكارٍ يتجنبها الناس في حيوات يقظتهم. وتفيد فكرة تُعرف بالـ “الارتداد الحُلُمي” أنه حين يقمع الشخص فكرةً أو انفعالاً وهو في وعيه، فإنها سوف ترتد للوراء في عقله خلال النوم. وفي الوقت الذي تنشأ فيه هذه الفكرة مع نظرية سيغموند فرويد المزدراة القائلة بأن الأحلام هي الكيفية التي يُتمّ بها اللاوعي الرغبات المقموعة، وجدت دراسات حديثة عديدة أن القيام بقمع الأفكار ــ جيدةً كانت أم سيئة ــ يمكن أن يجعلها تظهر في الأحلام. 
ولم يكن معروفاً حتى وقتٍ قريب، على كل حال، ما إذا كان الارتداد الحُلُمي مفيداً أم ضارّاً بالنسبة للنفس المستيقظة. وترى دراسة في العام 2019 أنه مفيد. فقد طُلب من 77 شخصاً أن يقمعوا لديهم فكرةً ما في كل ليلة مدة أسبوع وأن يسجلوا أحلامهم عند الصباح. وقبل الدراسة وبعدها، طلب الباحثون من الأفراد أن يصنّفوا كم كانت ممتعة أو مزعجة تلك الفكرة. وعندما كانت الفكرة المقموعة مزعجةً، فإنَّ الأشخاص في الدراسة الذين لم يحلموا بتلك الفكرة كانوا يصنّفونها باعتبارها أكثر إزعاجاً في نهاية الأسبوع من أولئك الذين حلموا فعلاً بالفكرة المقموعة. بكلماتٍ أخرى، فإنَّ الأحلام السيئة يمكن أن تكون طريقة العقل في تهوية الغسيل الانفعالي القذر!
عن / Medium