مسؤولية الشيعة عن مسار دولة الامة في العراق
آراء
2020/07/13
+A
-A
ابراهيم العبادي
بعد تجربة تمكنت داعش من اقامة خلافتها في اغلب المساحة الجغرافية والاجتماعية السنية العراقية ( 2014 - 2017 )خرجت الاطراف الثلاثة الرئيسة المكونة للاجتماع العراقي بدروس مختلفة وغير متجانسة فكريا وسياسيا عن مستقبل الدولة والهوية الوطنية العراقية، فالكرد لم يبرحوا حلم الدولة المستقلة، وقد عبر سياسيوهم عن مجمل المشروع السياسي الكردي، باقامة استفتاء الانفصال في 25 ايلول عام 2017، وبقيت علاقتهم بالمركز علاقة مصلحة ومناورة مستمرة لا يتذكرون اهمية وضرورة الدولة الا لاستمداد المعونة والحماية المالية والسياسية للاقليم، اما السنة فقد بات طموحهم ان تزداد قوة تأثيرهم في مؤسسات الدولة والسلطات للدفاع عن مصالح جمهورهم وبناء مدنهم المدمرة واعمار مناطقهم وحماية مصالحهم اليومية، خصوصا بعد ان تهاوت طموحات استعادة السلطة بفعل متغيرات عاصفة شهدتها عموم المنطقة، وان لم تغب هذه الآمال لوجود محركات نفسية وتراث سياسي سلطوي ودوافع ايديولوجية وغريزية، وحدهم الشيعة الذي اضطربت عندهم البوصلة كثيرا ، فهم يخشون وصمة ان يكونوا سببا لتقسيم العراق في عهد (حاكميتهم ) وعليهم الدفاع عن حدود البلاد وسيادتها ومصالحها في ظل تصارع مشاريع سياسية عابرة للحدود، وقد تحملوا عبء التصدي للارهاب الاستئصالي، بينما هم يكابدون فشل النظام السياسي الذي قادوه في تحقيق منجز تنموي ملموس، فحصل لديهم انقسام عميق بين قواهم السياسية واجيالهم المسيسة وجمهورهم الواسع، كما ازدادت التباينات بين الفاعلين السياسيين والفاعلين الدينيين، وساد احباط شديد من نتائج التجربة السياسية لدى العامة بعد ان اخفق خطاب الدفاع عن مصالح الطائفة في اقناع الجمهور العام بصدقية القوى السياسية، وسبب ذلك يعود الى الصراع والتنافس المحموم على من يمتلك السلطة ويهيمن على المقدرات الاقتصادية ويحقق مكاسب ذاتية وحزبية، فتبددت ثروة مالية هائلة، لم تتحسن فيها نوعية الحياة ولا مستوى الخدمات، ولم تعمر
المناطق الشيعية او يقل فيها الحرمان والفقر والتلوث، ولم تهدأ البيئة الاجتماعية والسياسة بما يتيح للمجتمع المحلي التوجه نحو التنمية والبناء والعمران، لقد انقسم المجتمع الشيعي بين احزاب وفصائل وبيوتات وزعامات طامحة وافتقدوا القيادة ذات الادراك الواسع، وغدا الجميع (يحن )الى الدولة القوية الفاعلة المهيمنة ذات السيادة، القادرة على مواجهة الازمات والتحديات الداخلية
والخارجية .
على الشيعة ان يحسموا خيارهم بسرعة، وان لا يضيعوا الوقت بجداليات عن الخيار الامثل للحفاظ على وجودهم ومصالحهم، فهذه المصالح لن تتحقق الا باطار دولة قوية متماسكة وذات قرار وسيادة، واكثريتهم العددية تلزمهم بالتمسك بهذا الخيار لانه الوحيد الذي يحمي مصالحهم حتى لو استمر الكرد في مشروع الانفصال، وبقي السنة مذبذبين ومترددين في شراكة حقيقية لبناء الدولة، فما دام الشيعة مستميتين في الدفاع عن وحدة العراق وكيانه وهويته، لا بد من ان ينتجوا نخبتهم التي تستطيع بناء الدولة القوية واقتصادها المتحرر من الريع، وان يتخلصوا من القوى التي ما زالت تؤمن باوهام الكسب السريع والمتعجل بالهيمنة على الادارات واختراق مفاصل الاقتصاد ومراكز القوة والسلطة .
لا ينقص الشيعة العقول المفكرة والكوادر القادرة على الادارة وصنع السياسات، يعوزهم ديمقراطية اجتماعية قادرة على الغاء هيمنة رجال السلطة ومافيات المال والاعمال وتفكيك شبكات الفساد التي افقرت عوام الشيعة وامتلكت القرار رغما عنهم بزعم الدفاع عن مصالحهم، وكل ذلك لن يتحقق الا بنظام انتخابي عادل وشفاف، وحرية وارادة فردية يعود فيه الشيعة كبناة حقيقيين لنظام العدالة الاجتماعية ودولة المواطنة التي كانوا يحلمون بها، بعيدا عن سطوة اقوياء الايديولوجيات
والسلاح .