السياسة وصناعة الحرب

العراق 2020/07/18
...

علي حسن الفواز
 
منَ الصعبِ جداً التعاطي مع السياسة خارج حسابات المصالح، وخارج إطار معرفة ما تتطلَّبه هذه السياسة من إجراءات ومواقف، وعلى وفق بيان حاجتِها إلى المهنية والعقلانية والحكمة، والتي ستجعل من السياسة خطاباً له جمهوره، وله بيئته، وله فاعلوه الرئيسون.
من أكثر أخطاء السياسة هو النزوع نحو الحرب، أو نحو خيارات العنف المباشر، إذ ستكون هذه الحرب "كريهة" كما يسميها العرب قديماً، بوصفها نوعاً من المغامرة، أو تغطية على العجز، أو تسويغاً لضعف، أو مغالاة في الخيارات القاسية والصعبة، وأن نتائجها ستكون تدويراً لصناعة العنف، والعنف المضاد، وإيغالاً  في خلق بيئات الكراهية والتكفير، لاسيما أنَّ العالم الحديث غادر "الحروب الدينية" منذ معاهدة وستفاليا، مثلما غادر "حروب التوحّش الكوني" بعد كارثة الحرب العالمية الثانية، التي كشفت عن المحنة الكارثية للإنسان المعاصر، مقابل صعود السياسات النازية والفاشية والعنصرية، التي جعلت من الحرب خياراً للسيطرة على 
العالم.
وبقطع النظر عن الطبائع العدوانية التي تمتاز بها كيانات سياسية مثل اسرائيل، أو دول لها حساباتها الإقليمية والطائفية، فإنَّ سوء إدارة ملف الحروب التي تخوضها، وفشلها في تحقيق أي نتائج واقعية، يكشف عن طبيعة أخطار الفشل السياسي، ورثاثة  العقل السياسي للاستبداد، وعن الحاجة إلى مايشبه معاهدة وستفاليا، لأن حروب الشرق هي حروب أزمات، وليست بعيدة عن الحسابات الطائفية والعنصرية، وأن البحث عن فكرة المنتصر فيها، لا يعدو أنْ يكون بحثاً عن فرض إرادات سياسية على الآخرين، في المكان السياسي، أو في إدارة ملفات إقليمية لها مرجعياتها ومصالحها، ودورها المشبوه في ستراتيجيات الصراع الدولي.
إنَّ الحاجة إلى عقلانية السياسة في منطقة الشرق الأوسط تعني الحاجة إلى إدارة تلك السياسة، وإلى مسؤوليات، وضوابط، وإلى مقاربة تنطلق من المصالح الوطنية، وليس من مصالح "الدول الكبرى" التي لا يهمها الضحايا، بقدر ما تهمها المصالح، والتي تسعى إلى صناعة الحروب الصغيرة، بوصفها حروباً تجارية، للسيطرة، ولحرق الأمكنة، ولتحويل الدول إلى توابع، أو إلى ترسانات للأسواق الكبرى، وللجيوش الكبرى، فضلاً عن تحويل المنطقة إلى حقول بارود وفخاخ، قابلة للانفجار، أو مشغولة باقتصاديات الحرب والعنف، وليس باقتصاديات التنمية والمصالح والحقوق والسياسات 
الآمنة.