بريجيد شولت وهالي سونسون ترجمة: ليندا أدور
في ظل ظروف الاغلاق التام والحظر الصحي، بدأ الرجال بالقيام بالاعمال المنزلية ورعاية الاطفال اكثر من ذي قبل، الامر الذي يشير الخبراء الى أنه يمكن أن يسهم في حدوث تغيير دائم في المعايير الجنسانية.
في الفترة التي سبقت تفشي جائحة كورونا، اضطرت ميليسا، الممرضة في احد مستشفيات الولايات المتحدة الى تقليص ساعات عملها بهدف تحقيق التوازن بين متطلبات عملها وعمل زوجها، ريتشارد، وادارة شؤون المنزل ورعاية طفليها الصغيرين. ومع تفشي الوباء، كان على زوجها، الذي يعمل مندوب مبيعات لشركة ضخمة لتوزيع الأغذية، ليس فقط العمل عن بعد، بل الاهتمام بالصغار اثناء عمل ميليسا بمناوبة تمتد الى 12 ساعة. أما كاثرين كارغيل، ممرضة الطوارئ في واشنطن، والتي اضطرت الى عزل نفسها عن أسرتها بسبب تفشي الوباء، فقد تحول زوجها من «مساعد» مؤقت، الى مسؤول بنسبة 100 بالمئة عن كل شيء في المنزل بضمنها رعاية وتعليم توأمين بعمر 5 سنوات وسنتين، اذ كان عليه أخذ إجازة من العمل لتولي هذه المسؤولية.
الأدوار الجنسانية
هاتان الاسرتان هما جزء مما يمكن أن يكون تجربة كبرى في الأدوار الجنسانية الناتجة عن الإرباكات التي تسببت بها الجائحة، تشكل النساء نسبة 76 بالمئة من العاملين بمجال الرعاية الصحية، ونسبة 80 بالمئة من الممرضات ونحو 90 بالمئة من مساعدي الرعاية المنزلية والشخصية، وقد أرغم الكثير منهن على البقاء بعيداً عن اسرهن، ما أدى الى مضاعفة جهد الأزواج من الرجال في المنزل، فهل يمكن للجائحة أن تعمل كـ»العلاج بالتعريض»، وربما بمرور الوقت، تؤدي الى مساواة أكبر بين الجنسين؟.
ان هذا السؤال ليس فقط لاسر العاملات في المجال الصحي، فالأزواج في قطاعات عمل أساسية أخرى تحملوا أعباء منزلية إضافية، ومع اضطرار الكثير من الرجال الى العمل عن بعد، بدأ الكثير منهم بإدراك ورؤية كمية العمل الذي تقوم به المرأة من إدارة المنزل والرعاية، تشير العديد من الدراسات الحديثة الى أنه بينما تمضي النساء في تحمل عبء متطلبات المنزل، أصبح الرجال يقومون بأشياء أكثر مما كانوا يقومون بها قبل الجائحة وهو ما قد يؤدي الى التغيير الدائم، وهو ما خلصت اليه دراسة اجريت عن الاسر في الولايات المتحدة نشرت مع بداية تفشي الجائحة.
مع استمرار أزمة الوباء، فإن دراسات أخرى اجريت في كل من كندا وألمانيا وتركيا وهولندا، كشفت عن أن، بالرغم من عدم تمكنهم من غلق الفجوة بينهم وبين النساء، فإن الرجال يؤدون مهام منزلية خلال الجائحة أكثر من قبلها. يقول دان كارلسون، المختص بعلم الاجتماع في جامعة يوتا، ومؤلف الدراسة: «على وجه العموم، سواء كان غسل الصحون وغسل وكي الملابس ورعاية الأطفال وقراءة القصص لهم والرعاية البدنية، فنحن نشهد حركة عالمية نحو مشاركة أكثر مساواة». يشير كارلسون والمؤلفون المشاركون معه الى أن نسبة الآباء الذين ذكروا أنهم تشاركوا الأعمال المنزلية قد ارتفع من 26 بالمئة قبل تفشي فيروس كورونا الى 41 بالمئة خلال الجائحة. كما ارتفعت نسبة الأزواج الذين أقروا بتقاسمهم رعاية أطفالهم الصغار بالتساوي من 41 بالمئة الى 52 بالمئة، يقول كارلسون: «أدرك ان البعض يرى أن الجائحة أمر سيئ بالنسبة للمساواة بين الجنسين، لكنني أرى أنها فرصة، بصريح القول».
مشاركة ظرفية
ان فكرة الأدوار الجنسانية التقليدية، التي تقول بأن يكون الرجل مسؤولاً عن توفير لقمة العيش والنساء مسؤولات بشكل رئيس عن الرعاية وأعمال المنزل، كانت قد بدأت بالتطور ببطء على مدى عقود. منذ العام 1965، تضاعف الوقت الذي يقضيه الآباء من الرجال في رعاية الأطفال والأعمال المنزلية بثلاث مرات تقريباً، ليصبح 18 ساعة اسبوعياً بدلاً من ست ساعات ونصف فقط. غالباً ما توصف مشاركة الرجال بالمهام المنزلية بـ»الظرفية»، أي انهم يشاركون أو يتولون مسؤولية ما حين لا يكون لديهم خيار آخر.
فما الذي يمنع الرجال من القيام باعمال اكثر في المنزل؟ ان المتسبب الرئيس في ذلك هو ثقافة مكان العمل، فالكثير من أماكن العمل تتوقع أن يرقى الرجال ليكونوا «عمالاً مثاليين» بوضعهم العمل أولا ويتصرفوا وكأنهم لا يتحملون مسؤولية الرعاية، الأمر الذي تجيده سوى القلة القليلة من النساء.
أجبرت الجائحة العديد من أماكن العمل والمدراء على تطبيع العمل عن بعد وجعله أكثر مرونة لجميع العاملين- ليس فقط الامهات العاملات- وهو الأمر الذي كانوا قد عارضوه لفترات طويلة. ان هذا المزيج بين زيادة الرعاية وتغيير مكان العمل، ربما يسهم في الدفع باتجاه التحول نحو المساواة بين الجنسين. تشير نتائج أولية لدراسة أخرى أجراها كارلسون الى أن الرجال الذين يمتلكون مرونة أكثر في العمل يميلون للقيام باعمال المنزل اكثر من غيرهم. يقول جيري جاكوبس، عالم الاجتماع الذي يدرّس التقسيم الجنساني في العمل بجامعة بنسلفانيا بأن: «في حال أصبحت مواعيد عمل الرجال أكثر مرونة، وأصبحوا أكثر استعداداً للتواجد في المنزل كآباء، اعتقد حينها سيكون بالإمكان حدوث تغيير دائم». لكن ليس هناك ما يضمن ذلك، فعلى المدى القصير، لا تزال النساء تتحمل الكثير من متطلبات وأعباء المنزل بضمنها التعليم المنزلي، ومع معاودة افتتاح الشركات والاعمال أبوابها، ستكون الكثير من النساء مرغمات على تحمل الجزء الأكبر من الرعاية والابتعاد عن عملهن، وهذا ما يعيد قضية المساواة بين الجنسين عقوداً الى الوراء.
* صحيفة الغارديان البريطانية