محطة الموصل تنتظر القطار.. منذ 10 سنوات

بانوراما 2020/07/30
...


الموصل/ أ ف ب
 
رغم توقف حركتها منذ سنوات بسبب التدمير والأعطال، لا يزال عامر عبدالله يتفقد باستمرار قاطرته في محطة الموصل، التي كانت يوماً صلة وصل بين العراق والعالم.
وجراء النزاعات والسياسة، فإنَّ مسار “توروس إكسبرس” الذي ربط منذ بداية القرن العشرين البصرة في جنوب العراق، بتركيا، امتداداً بخط “أورينت إكسبرس” (باريس – فيينا - اسطنبول)، تقلص تماماً.

قطاران فقط
بعيد الغزو الأميركي للعراق، انخفضت حركة السكك الحديدية في الموصل بشكل كبير، وواصل قطاران فقط المغادرة كل أسبوع باتجاه غازي عنتاب في تركيا، حتى صيف العام 2010.
يقول عبد الله (47 عاما) الذي كان يسمّي قاطرته “الحبيبة”، إنه “قبل ظروف الموصل كنت أنقل المسافرين والبضائع يومياً من الموصل وإليها، باتجاه بغداد والمحافظات وسوريا، وأستمتع بعملي الذي حرمت اليوم منه”.
لا تزال آثار الخراب وما خلفته عصابات “داعش” الإجرامية واضحة في كل زاوية على أرض محطة قطار الموصل، بعدما حولتها التفجيرات إلى كتلة من الأنقاض، وهدمت أبنيتها التاريخية، بينما طال التخريب غالبية خطوط السكك وخرجت عن مسارها.
أما القطارات، التي أوقفت يوماً صفيرها كرمى لعيون الفنانة اللبنانيَّة صباح، حين أحيت حفلاً غنائياً في المدينة، باتت اليوم هياكل حديديَّة صدئة بلا أبواب ولا نوافذ ولا مقاعد.
ويستذكر علي عكلة (58 عاماً)، وهو أب لسبعة أبناء، كيف كان يدفع “ألفاً وألفي دينار فقط (أقل من دولارين)” للسفر إلى بغداد أو المحافظات.
ويضيف “سابقاً، كنت أشحن بضائع من بغداد والمحافظات الأخرى إلى الموصل، عبر القطارات بتكلفة مالية مناسبة، وضمان إيصال البضاعة من دون تأخير أو أضرار”.
ملحقات ومرافق عدة كانت تضمها محطة قطار الموصل، منها قاعة ملكية كبيرة تعود للملك فيصل الأول، وتعتبر أقدم قاعة ملكية في العراق، بحسب ما يقول المهندس في المحطة محمد عبدالعزيز، الذي بات عاطلاً عن العمل تقنياً منذ سنوات.
 
80 % دمار
يقول عبدالعزيز لفرانس برس: إنَّ “المحطة كانت تضم دار استراحة، وفندقاً يعدُّ الأقدم في الموصل، ومقهى وحدائق وكراجات لوقوف السيارات وعربات نقل الركاب التي تجرها الخيول”.
ويضيف أنَّ “واردات المحطة كانت تشكل مصدر عيش لمئات الأسر، كالموظفين والعمال والباعة وأصحاب المحال والمطاعم والكازينوهات وسائقي الأجرة وغيرهم”.
فعبر الموصل في الأول من حزيران العام 1940، وصول اول قطار من بغداد إلى اسطنبول. لكنَّ العاصمة اليوم لم تعد مربوطة إلا بالفلوجة غرباً، وكربلاء والبصرة جنوباً. وهو مستوى بعيد جداً عن 72 رحلة يومية كانت تسيّر على ألفي كيلومتر من السكك الحديدية في حقبة ما قبل الحصار الذي فرض على العراق في التسعينيات.
قبل زمن، كان العراق في طليعة التقدم والتطور في الشرق الأوسط. فمنذ العام 1869، كان الترامواي موجوداً في بغداد، ولكن لم يبق منه شيء اليوم، لا العربات الخشبية الأنيقة ولا حتى السكك التي ابتلعها التمدد العمراني في العاصمة.
احتضار محطة الموصل كان طويلاً. ففي 31 آذار العام 2009، فجرت شاحنة مفخخة جزءاً منها. 
وفي الأول من تموز 2010، غادر آخر قطار بتذكرة ذهاب فقط إلى غازي عنتاب التركية.
لكن ثالث مدن العراق، التي كانت يوماً مركزاً تجارياً للشرق الأوسط، صارت خراباً بفعل معارك الجيش العراقي ضد عصابات داعش الوحشية بين عامي 2014 و2017.
يقول معاون مدير سكك المنطقة الشمالية المهندس قحطان لقمان لفرانس برس: إنَّ “نسبة دمار المحطة قبل وخلال استعادة الموصل وصلت إلى 80 %”.
فلا يزال أثر الرصاص واضح المعالم على الأعمدة والأرصفة وواجهة المحطة، وبالكاد يمكن رؤية الفسيفساء التي كانت تغطي أرض وجدران القاعة.
ويوضح لقمان أن “إعادة الإعمار تشوبها معوقات مالية، ولا يوجد سقف
زمني”.
 
أغاثا كريستي وأم كلثوم
ذكريات جميلة تربط العديد من الموصليين بقاطرات المحطة، كما تقول نور محمد (37 عاماً).
وتتذكر حين كان عمرها “عشر سنوات، كانت جدتي تأخذنا بسفرات في القطار من الموصل إلى حمام العليل ومعنا أسرٌ كثيرة من الأقارب 
والجيران”.
باختفاء هذه المحطة يختفي جزء من تاريخ العراق، ومدينة الموصل الستراتيجية على الحدود مع سوريا 
وتركيا.
ويقول مدير محطة قطار الموصل محمد أحمد: “لقد زار محطة قطار الموصل على امتداد تاريخها العديد من الرؤساء والملوك والمسؤولين الكبار والفنانين المعروفين”.
ففيها طورت الروائية البريطانية أغاثا كريستي مغامراتها البوليسية، وغنت كوكب الشرق أم كلثوم في قاعة الاستقبال الملكية.