بيروت.. المأساة والكارثة

آراء 2020/08/10
...

د.صادق كاظم 
 
يضيف الانفجار الكارثي لمرفأ بيروت رئة لبنان الاقتصادية وأكثرها أهمية مأساة أخرى لمآسي اللبنانيين ومعاناتهم الاقتصادية التي تضاعفت وازدادت خلال العام الحالي نتيجة للعقوبات الأميركيَّة الجائرة التي أرادت إخضاع النظام السياسي اللبناني بأكمله وترويضه لصالحها في مواجهة تنظيم حزب الله اللبناني وصولاً الى إلقاء سلاحه وتصفيته في النهاية حماية لأمن الكيان الغاصب في فلسطين.
الكارثة التي حدثت في بيروت يتحملها النظام السياسي الطائفي والمحاصصاتي الذي ظهر الى العلن في العام 1943 نتيجة لتفاهمات فرنسية ولبنانية أقرت ما يعرف بالميثاق الوطني والذي جرى فيه تقاسم السلطة بين المكونات الرئيسة الثلاثة في لبنان ليستمر العمل به حتى يومنا هذا، إذ عرف اللبنانيون من خلاله ثلاثة حروب أهلية واحتلال صهيوني لثلث أراضيه استمر لأكثر من عشرين سنة، فضلا عن تقاسم الموارد والأموال والإدارات الحكومية مع نزاعات سياسية محتدمة منعت اللبنانيين من تشكيل الحكومات واختيار رؤساء الجمهوريات وإقرار الموازنات لسنوات طويلة انعكست في النهاية على الوضع الاقتصادي لشعب لبنان.
هذا التقاسم المحاصصاتي المشرعن دستوريا أصاب لبنان في مقتل، حين أطلق يد القوى المتنفذة والمسيطرة على الأرض للتحكم في الموارد والسلطة ومنع عنها الرقابة على أعمالها ومنحها الحصانة عن كل تقصير حتى وقعت المأساة مؤخرا.
يظل التدخل السياسي الخارجي واحداً من أكثر الأسباب في إعاقة تقدم لبنان وتطوره وتعافيه، وكان هذا التدخل نتيجة لضعف لبنان وانقسامه ووجود نخب سياسية تعتمد على هذا التدخل لإدامة نفوذها وسلطتها محليا وهو ما خلق للبنان مشاكل وأزمات سياسية كادت أن تعصف بوجوده مرات عديدة، إذ يظل على سبيل المثال اختيار الشخص المؤهل لرئيس الجمهورية الذي يعد أعلى سلطة دستورية في البلاد رهنا لتوافقات أميركية وفرنسية وسورية ليقطع الشخص المؤهل والمرشح تذكرة المرور نحو قصر بعبدا ليحكم لمدة أربعة أعوام قابلة للتمديد مرة واحدة او مرتين بحسب التوافقات الدولية والإقليمية.
التوافقات والتدخلات الخارجية والمحاصصات السياسية فاقمت من أزمة لبنان وأضعفت اقتصاده وضاعفت من مأساة شعبه وحرمته من فرصة التطور والتغيير فأزمة الكهرباء على سبيل المثال والتي يعاني منها لبنان لأكثر من 30 سنة لم تعالج حتى الآن بالرغم من الأموال التي رصدت لتطويرها وتحديثها بسبب الفساد الذي تمارسه الطبقة السياسية الحاكمة ورغبتها في الافادة من الأزمة لصالحها، فضلا عن ممانعتها لايجاد حلول بديلة قد تضع حدا لهذه الأزمة وإنهائها، إذ رفض مؤخرا عرض صيني لإعادة إعمار لبنان وتطويره بذريعة عدم موافقة واشنطن على منح بكين نفوذا اقتصاديا ضخما في لبنان يكون على حسابها.
المأساة والفجيعة التي حدثت في ميناء بيروت هي نتيجة للاهمال الحكومي المتعمد وعدم تقدير خطورة احتجاز مواد شديدة الانفجار في داخل الميناء وانشغال القوى المتنفذة في لبنان بمصالحها ومكاسبها الاقتصادية على حساب الشعب اللبناني الجريح وعدم اهتمامها بايجاد حلول لمعاناته بقدر اهتمامها بإرضاء قوى الغرب ومسايرتها في سياستها تجاه لبنان والاندماج معها في تطبيقها في الداخل ولو على حساب شعبها ومعاناته.