الاعتداء التركي والخيارات العراقية

العراق 2020/08/15
...

علي حسن الفواز
الاعتداءُ  السافر الذي انتهكت به تركيا الاراضي العراقية يُثير أكثر من تساؤل، في طبيعته، وفي أهدافه، وفي توقيته، وهذا ما يجعله ليس بعيدا عن  لعبة المحاور الاقليمية، ولا عن الصراعات " المصطنعة" التي تهدف الى فرض واقع جديد، أو ارادة جديدة، أو  الكشف عن " لعبة" دولية كبيرة لادامة محاور الازمات، التي تبدأ من المحور الليبي الى المحور اليمني والمحور السوري، وليس انتهاء بمحور  التحالفات الجديدة في المنطقة.
هذه المحاور هي المجال الجغرافي والسياسي والاقتصادي الذي تتحرك به تركيا، وعلى وفق أهداف باتت مكشوفة، حيث التلويح بحضورها كقوة اقليمية في المنطقة، أو كقوة مرجعية للدول الاسلامية، عبر ابراز هوية دولتها وخطابها الايديولوجي، أو عبر اهدافها البعيدة في السيطرة على القوس النفطي في البحر المتوسط، أو السيطرة الادارية على " المؤتمر الاسلامي" بعيدا عن المحور السعودي- الخليجي- المصري..
الاعتداء المتكرر، والتوغل في الاراضي العراقية، يحملان نوايا لأكثر مما هو معلن، إذ يحملان معهما نوعا من سياسات فرض الواقع، وربما العودة الى مطالب استعمارية قديمة ووثائق ميتة، فضلا عن كونهما استعراضين للقوة بمواجهة وضع اقليمي مأزوم، وتحالفات اقليمية هشّة، فما يجري في هذا المسار، لم يكن بعيدا عن رقابة الولايات المتحدة، فهي تفرض سيطرة لوجستية على الخارطة العسكرية في المنطقة، وأن ما يحدث من تدخل سافر، ومن عدوان عسكري راح ضحيته عدد من القادة الميدانيين،  كان بعلم الاميركان، وحتى المعلومات التي قيل انها سبب القصف التركي لموكب القادة الميدانيين لم تكن غفلا عنهم، بل قد تكون واردة من مصادر بالمنطقة، وليس بالضرورة على طريقة الخطأ.
الخيارات العراقية كثيرة، والذهاب الى المجتمع الدولي واحد من تلك الخيارات، لكن فضح الاهداف التركية - سياسيا وعسكريا- قد يكون  خيارا واقعيا مُضافا للكشف عما تسعى اليه تركيا اقليميا ومناطقيا، والى توسيع مساحة الحرائق في المنطقة، فضلا عن الاجراءات الاقتصادية، التي يمكن أن يلجأ اليها العراق ضد تركيا، والتي ستكون المصالح التركية هي المتضرر الكبير منها، على مستوى حجم الاستيرادات عديد الشركات التي تعمل في العراق، او حتى مستوى الممر النفطي العراقي عبر الاراضي التركية.
إنّ احترام سيادة الدول أمرٌ حقوقي اقرته المواثيق الدولية، مثلما هي الحقوق المائية والأمنية والسياسية، وصولا الى اعطاء الحق باستخدام القوة دفاعا عن السيادة عن تلك الحقوق، وهذا ما يضع أمام العراق السيادي خيارات متعددة، لمواجهة العدوان التركي، ولترصين البنية الوطنية الداخلية، ورغم وجود بعض التقاطعات السياسية بين الفرقاء، أو بسبب الوضع الاستثناني في منطقة اقليم كردستان، إلّا أن هذا لا يعفي الدولة العراقية من اتخاذ الاجراءات المناسبة لردع هذا الاعتداء، والى ايجاد صيغ سياسية وامنية للحفاظ على الأمن الوطني ولاحترام سيادات الدول وحقوقها الامنية والاقتصادية والمائية، والى اللجوء الى الوسائل والمصادر التي من شأنها أنْ تساعد العراق على حماية حدوده وامنه ومصالحه.