واشنطن وبغداد، العلاقة الاشكالية

العراق 2020/08/17
...

ابراهيم العبادي
 
اياً كان عدد الدقائق التي سيستغرقها اجتماع رئيس الحكومة العراقية مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب ، فان ما يود ترامب سماعه سيكون صعبا على السيد مصطفى الكاظمي ، فليس في يده الكثير ليقوله لمضيفيه ، سوى ان العراق بلد مهم لاستقرار المنطقة وسلامها ،وان النظر الى العراق بنظارات موقفه من جيرانه وتوازناته الداخلية او قل صراعاته السياسية والحزبية ،لن يعطي للاهمية الجيوسياسية للعراق اعتباراتها الحقيقية لدى صانع السياسات الاميركي ، فالعراق الذي يعاني ظرفا عسيرا لايحسد عليه ، ليس لديه ما يقدمه لاميركا ،  لتبادله الاخيرة بحزمة مساعدات ومواقف تدعم شروط استقراره وخروجه من حالة الطوارئ التي يعيشها .
يذهب الكاظمي الى البيت الابيض ويرافقه ضغط سياسي واعلامي وامني ،  ليذكّر الاميركان ان جزءا من العراقيين يضغط عليه  ليكرر على  مضيفيه مطلب سحب قواتهم من العراق ، وان حكومته مضطرة للاستماع الى هذا الموقف بحكم الامر الواقع ، لان توازناتها الداخلية شديدة الاضطراب ،وان الشارع السياسي منقسم على نفسه كثيرا ،والدولة تكافح لضبط ساعة الشارع قبل ان تصل الى لحظة  الصدام الداخلي .
العراق الذي يكابد تدبير معاشات موظفيه المدنيين والعسكريين ،يستحضر كابوس انفجار بيروت، وينسج خيالا مخيفا، فيما لو فاجأته جائحة مماثلة ، تكون اخطر من جائحة كورونا او انهيار اسعار النفط، جائحة كارثية ستكون القشة التي ستقصم ظهر النظام السياسي وجمهورية 2003  بلحاظ تشابه النظام السياسي في الدولتين ،وضعف الدولة وهشاشة البنى الاقتصادية والسياسية والحجم الكبير للتدخلات الخارجية،  على العراق ان يحسب لمثل هذا الاحتمال ويرسم سيناريوهات افتراضية لأزمة  كبيرة،  تتطلب منه قبول مساعدات وتدخلات دول الاغاثة والدعم ،والتي ستشترط اصلاح البنية السياسية والامنية، ومعالجة الفساد والمحاصصة التي اوصلت الدولة لهذا المستوى من اللافاعلية  والضعف  ، وقربت نظام الطائفية السياسية من نهايته المحتومة ،مثل هذه الشروط  تحتم اعادة  صياغة النظام  السياسي  والمالي والاقتصادي الساري حاليا ،والعودة الى تدوير العلاقات بين الطوائف والمكونات، بحيث لايكون لعلاقات احداها مع الخارج  ،طابع الهيمنة على السياسات والمواقف التي تتحدث باسم كل العراق لا بعضه .
اذن الكاظمي يذهب الى واشنطن وشروط الداخل والخارج المحيطة بالعراق لازالت على حالها ولم تتغير، فطهران  تشترط الا يكون تحسن علاقات بغداد بواشنطن على حسابها وحساب حلفائها ،وهو يذهب محملا بوقائع عن العراق الذي يعاني كثيرا،  وتستباح سيادته من اكثر من طرف اقليمي، كما ان الحرب على الارهاب الداعشي تشهد تراخيا ،بسبب تأرجح علاقات التعاون بين العراق والتحالف الدولي  الذي تقوده الولايات المتحدة ،رغم تواصل الضربات الجوية المحدودة من جانب الحلفاء!.
سيقدم العراق لائحة طويلة من الاحتياجات الى الاميركان، في مقابل ان يقول لهم انه يريد البقاء صديقا لهم  ، وهو يقدر !! لواشنطن  مصالحها و (دعمها)  السابق ،لكن الاهم من كل ذلك ماذا سيجيب الاميركان ؟ وهم يعرفون حجم الضغوط التي تواجهها حكومة الكاظمي ، هل لازالت واشنطن تعتقد ان بامكانها الحفاظ على نفوذ قوي في العراق ؟ وكيف ؟وعلى من تراهن  غير الكرد وبعض السنة ؟ سيكون الكاظمي محتفى  به ولاسباب عديدة ، منها ان حكومته ستكون الفرصة الاخيرة لواشنطن كما اعتبرها سياسيون وباحثون اميركان كبار ،لكن ماذا بوسع هذه الحكومة ان تفعل لحماية المقار الدبلوماسية والارتال التي تحمل الدعم اللوجستي للقوات الاميركية وتأمين القواعد التي تتواجد فيها الاخيرة ؟ ،فقد  ازدادت الهجمات بشكل كبير فيما يشترط الاميركان قيام الدولة العراقية بواجباتها ازاء البعثات الدبلوماسية  والوجود العسكري الغربي لانه جاء بطلب رسمي عراقي منذ عام 2014 .
حقيقة هناك صعوبات كثيرة تكتنف العلاقات الاميركية العراقية،  فضلا عن الظرف المؤقت المتعلق  بادارة ترامب حيث ستتقلص اهتماماتها الخارجية كثيرا  لقرب الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم ، ولان الاعتبارات الداخلية ستكون محط  الاهتمام الاول لدى الناخب الاميركي وليس القضايا الدولية التي ستكون اخر اهتماماته  .
رغم ضعف الخبرات العراقية كما ظهر خلال سنوات ما بعد التغيير ،لكن الحد الادنى يفترض ان يحضّر الوفد العراقي تعريفا واضحا للمطالب والمصالح والمقتضيات العراقية تحت عنوان واحد ،(ماذا نريد من اميركا)  ؟ليتم استحضار جواب مقابل،  ماذا بامكاننا ان نبادل اميركا اذا قايضت واشترطت في لعبة المصالح المتبادلة ، فكما نريد منهم ،فانهم يريدون منا ! اظن ان البحث عن علاقات متكافئة يحتاج الى عمل شاق لبناء الدولة داخليا ،  لتستغني كثيرا عن الاعتماد المفرط  على الخارج بما فيه اميركا، فهل فكرنا بالفعل بـ  (ماذا  نريد ؟) لنجيب بـ (ماذا بامكاننا) ان نعطي ؟.