عاشوراء الحسين ودرس الصبر

آراء 2020/08/18
...

علي حسن الفواز

الحديث عن قوة الصبر الرمزية والاخلاقية ليس بعيدا عن قوة الفعل الإنساني، ولا عن قيمه في مواجهة تحديات المكاره، وماتصنعه قوى الضلالة، والتي قد تدخل في تأطير الممارسة السياسية، وعبر فرض النوايا والتوجهات، استنطاقا للتاريخ، أو تأسيسا للحظة الحاضرة، وكلاهما يجعل من السياسة وكأنها نوع من "الحكم العضوض" هذا الحكم الذي وقف إزاءه الإمام الحسين "ع" ليس بوصفه صانعا للسياسة، بل بوصفه فاعلا حقيقيا في صياغة الرسالة، وفي الانحياز للاخلاق، وأحسب أن عاشوراء هو الفضاء الانساني للمسيرة الاخلاقية التي أصّلها الرسول محمد "ص".
حسابات السياسة في هذا السياق كثيرا ما تخرج عن هذا المعطى، لأنها محسوبة بالنوايا، أو بحساب الباحث عن الفرص والمصالح والحلول السهلة، وهي نوايا معروفة وقائمة على الانتهازية، لكن ثمة بعضا آخر يحمل تلك النوايا، لكنه أكثر خبثا، حيث الذهاب الى الحافات مباشرة، ليمارس وظيفة التشهير والكراهية وكأنه يكشف عن علته، ويقول للآخرين 
خذوني.
البعض الثاني له أقنعة شتى، فهو الأحمق والمنافق، وهذا مايجعله خارج رهانات المبادئ، وبعيدا عن وعي الحاجات الوطنية وتحدياتها، والتي عاشها العراقيون طوال تسع سنوات، مرارة ورعبا وارهابا وقلقا وحروبا مفتوحة، مثلما هي صمود وصبر أخلاقي وجهادي بوجه جماعات الارهاب الداعشي، واصحاب خطاب وأجندة التكفير والكراهية والظلام.
ونحن نقترب من أيام شهر محرم الحرام نستعد لقراءة تاريخ الشهادة، بوصفه جزءا من تاريخ الصبر والجَلّد، والتي سجّل بها الإمام الحسين "ع" أمجادا من الفخر والمواجهة العالية، مثلما عبّر فيها عن القوة التي تتجوهر في الأخلاق والإيمان، وفي فضح مظاهر الانتهازية والشر التي تقنّعت بالسلطة والاستبداد، فالذين اجتمعوا لقتال الإمام الحسين، هم ذوات الاقنعة الذين اجتمعوا ليقتلوا المدن العراقية، وليسبوا أهلها، وهذا التلازم هو مايجعلنا ندرك خطورة التغافل عن تغول "خطاب الشر" الذي قد يكون خطاب جماعة، أو خطاب مؤسسة، أو خطاب دولة، لكن أخطر ما فيه أن يتكئ على "رسالة ثقافية" وليبدو لامعا، ومخادعا، وسهلا في تسويغ يافطته وفي بثِّ سمومه الخبيئة..
إن الخطر الارهابي والتكفيري الملتاث بـ "خطاب الثقافة" يشكّل تحديا كبيرا، على المستوى المهني او المستوى الرسالي، أو على المستوى النفسي والاجتماعي والاعلامي، إذ تكون تلك المستويات أمام توصيفات وتحديات كبيرة، تبدأ من رصد هذا الخطاب، ولا تنتهي عند تحليله، ومواجهته، وحتى مواجهة السياق الذي يتحرك به، والوسائط التي يستخدمها، إنْ كانت سياسية أو اعلامية او تاريخية او اجتماعية، وإن كانت تلوذ بميوعة "الديمقراطية" وبحق الرأي والاختلاف..
الحقوق الانسانية والثقافية العمومية لا تتشكّل في المتاهة، ولا يمكن رهنها بحسابات انتهازية ونفعية، بل تتطلب قرائن، وفعاليات ومسؤوليات، والتزامات، ومواقف، فحرية الذات تعني حرية الآخر، وحقه في التعبير والاختلاف أيضا، و موقف "التكفير" والكراهية الذي أعلنه الداعشيون هو جزء من منظومة أفكارهم، ومن أهدافهم ونزعاتهم المسمومة، والتي تهدف الى إلغاء الآخر، وقتله، ورفض وجوده في السياق وفي الخطاب، وهذا مايجعل الدفاع عن المشروعية الوطنية وجها آخر للمشروعية الاخلاقية التي التزم بها العراقيون، ودافع عنها أبناء القوات المسلحة والحشد الشعبي في أعتى مواجهة وطنية وعقائدية وسياسية وأمنية.
الموقف الحسيني هو تاريخ للموقف الاخلاقي، وتاريخ لقوة الايمان التي نستعيدها اليوم لمواقف مفتوحة، مع الارهاب، ومع التطرف والكراهية، ومع انماط الهيمنة التي تحاول الصراعات الدولية فرضها على العراق، وعلى المنطقة، وأحسب أنّ الزمن العاشورائي هو زمنٌ كوني للانحياز للعدل والحق، ولمواجهة الشر مهما كان، لأنّ صبر الحسين كان قوة، وشهادته كانت هي المثال الاخلاقي لرفض الخضوع لسلطة الاستبداد، وهذا هو جوهر الخلود الذي أسس له الحسين، بوصفه خلودا للعمل والثبات والقوة الاخلاقية، ولإعطاء الدرس والعبرة وقيم تعلّم الثبات في المعركة، وفي الايمان وفي تحدي المكاره التي يصنعها أصحاب 
الشر...