الصين تستعد لجني ثمار علاقتها مع روسيا

بانوراما 2020/08/19
...

لايل جي غولدشتاين

ترجمة: انيس الصفار

القوة الجوية الصينية اليوم شيء يستحق التأمل وجدير بالاهتمام، ففي ظرف فترة لا تتعدى ثلاثين عاماً ارتقى رصيد بكين الجوي من خزين بال لا يكاد يحسب له حساب الى قوة على أحدث ما توصلت اليه التكنولوجيا العالية، من الجدير بالملاحظة هنا إن القوة الجوية الصينية ليست سوى واحدة من بين أدوات بكين العديدة لفرض هيمنتها على الاجواء، فإذا ما كان لدى قواتها الصاروخية الضخمة ذلك المستوى من الأداء الذي يتوقع منها على تدمير مدارج مطارات العدو، فلن تبقى هنالك في الاجواء اعداد تذكر من الطائرات المعادية لتتحدى تفوق المقاتلات وقاذفات القنابل الصينية، أو لنقل ان معظم انحاء غرب المحيط الهادئ لن تتمكن من النفوذ اليها سوى قلة ضئيلة جداً من تلك الطائرات.

الدور الروسي
منذ العام 1990نقلت روسيا الى الصين أكثر من خمسمئة طائرة، وقد شملت العملية طائرات النقل العسكري الضخمة وطائرات الانذار المبكر وطائرات الارضاع الجوي والنفاثات الهجومية والمقاتلات الاعتراضية، اللافت للنظر هنا أن القائمة لم تتضمن قاذفات ثقيلة، ولكن علينا ألا ننسى أن طائرة «أتش6» الصينية، التي تعد حالياً من طائرات الصف الأول (وكذلك الطرازات «كي» و»أن» التي جرى تجديدها حديثاً)، إنما هي اشتقاق عن طائرة القوة الجوية السوفييتية في حقبة الخمسينيات «توبوليف16»، وبوسع كل من تساوره شكوك بأن الطائرات السوفييتية قد لعبت دوراً جباراً في تطوير القوة الجوية الصينية الحديثة أن يزور متحف بكين العسكري الذي أعيد تجديده بالكامل للتأكد من ذلك.
بينما الصين عاكفة بفخر على تطوير مقاتلتها «جي20»، المصممة محلياً بالكامل، يستحق الأمر منا مراجعة مقتضبة للإرث الروسي الضخم من التكنولوجيا الجوية الذي قدمته الى المملكة الوسطى، فوفقاً لإحدى الترجمات الحديثة التي ظهرت في العدد رقم 16 للعام 2018 من مجلة «السفن الحديثة- مودرن شبس» بخصوص ذلك التاريخ أن أول مقاتلتين روسيتين حديثتين على الإطلاق، وهما من نوع «سوخوي27 يو بي كي»، قد وصلتا الى الصين في 30 أيار 1992، هاتان الطائرتان افتتحتا عهداً جديداً من مقاتلات الوزن الثقيل التي زود بها سلاح الجو الصيني، على حد تعبير المجلة، قدرات هذه الطائرات تفوقت بشوط واسع على مقاتلات «جي6» و»جي7» الخفيفة التي كانت تمتلكها القوة الجوية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني، وهذا القول يصدق تحديداً على المدى والتسلح، خلال العقدين التاليين أعطت المقاتلات المستوردة من روسيا، ومن بينها «سوخوي27» و»سوخوي30»، عملية بناء وتحسين المنظومة القتالية للقوة الجوية الصينية دفعة مباشرة قوية، من بعد ذلك جاء الافتتاح الحقيقي لحقبة طائرت «فلانكرز»، المعروفة ايضاً باسم «سوخوي27»، باستلام الدفعة الثانية من طائرات «سوخوي24» و»سوخوي27» في كانون الأول 1996، وفقاً لمسح اجرته الصين.
 
محاولات الصين للنهوض بقدراتها
في هذه المرحلة باشر مهندسو الطيران الصينيون محاولاتهم لانتاج طائرتهم «فلانكر» الخاصة بهم، وهي الطائرة «جي11» بترخيص من موسكو، رغم هذا بقيت الطائرة الصينية الجديدة من نوع «سوخوي24»، المحلية الصنع، بحاجة لاستيراد الرادارات والمحركات وحتى الاسلحة من روسيا،  وبعد انتاج ما يقارب 100 طائرة من هذا النوع، أخذ الصينيون يشتكون من أن تخلف الرادار واجهزة الملاحة الجوية التي لديهم لن تتمكن بالتأكيد من الوفاء بالمتطلبات المستقبلية للقوات الجوية الصينية، يقر كاتب المقالة بأن شيئاً من التوتر قد نشب بسبب رغبة المقاولين الروس بإبقاء سيطرتهم على البرنامج الصيني، ولكن بكين لم تعبأ بذلك ومضت في بناء طائرتها «فلانكر» المطوّرة الخاصة بها، المسماة «جي11 بي»، التي دخلت سلسلة الانتاج في العام 2007، رغم ما قيل حينها عن تفوق هذه الطائرة من جوانب عديدة على نظيراتها من الطرازات الروسية يقر كاتب المقالة الصيني بصراحة بأن الطائرة «جي11 بي» كانت لا تزال تعاني من عيوب ليس أقلها المشكلات المزمنة الملازمة لمحركات «تايهانغ» النفاثة الصينية الصنع، بل ان شراء الصينيين الطائرة الروسية ذات المقعدين من نوع «سوخوي30 أم كي2» في العام 2004، التي سلمت الى البحرية الصينية، كان إعلاناً صريحاً باستمرار وجود اهتمام بالطائرات الحربية الروسية.
 
لا مفر من العودة الى الروس
مر عقد آخر قبل أن تقدم بكين مجدداً على صفقة شراء كبرى من المقاتلات الروسية، ففي نهاية العام 2014 وقع عقد لشراء 24 طائرة «سوخوي35» بمبلغ 2,5 مليار دولار، حيث توصلت تقديرات بكين وفقاً للتحليل الصيني الى أن طائرات «جي11» و»جي10» لم تكن وافية على النحو المطلوب، كما خلصت بحرية جيش التحرير الشعبي وقواته الجوية الى أن سرعة النقل العسكري كانت ابطأ مما تقتضيه الحاجة، كان الستراتيجيون الصينيون يكنون إعجاباً خاصاً لما يسمى «نصف قطر المنازلة» الذي تتمتع به المقاتلات الروسية، التي تباهي بامتلاكها «أطول ساقين» في قائمة السلاح الصيني، لذا كان هناك اعتقاد في بكين بأن توفير المزيد من وسائل المنازلة الجوية الروسية من شأنه الارتقاء بمستوى الانجاز.
وصلت الدفعة الأولى من «سوخوي35» الى الصين في أواخر كانون الأول 2016 ونفذت أول دورية لها فوق بحر الصين الجنوبي، وفقاً لهذا التحليل، في شباط 2018، بعد ذلك ببضعة أشهر انضمت الى انواع أخرى من المقاتلات الصينية في تمارين طيران السيادة التي أطلق عليها اسم «تطويق جزيرة تايوان الجميلة من اتجاهين»، مهام طويلة الأمد بارزة للعيان مثل هذه تثبت بلا شك المستوى العالي من الثقة التي توليها القوات الجوية التابعة لجيش التحرير الصيني للطائرات الجديدة المستوردة من روسيا، رغم هذا سببت الجولة الأخيرة للطائرات الروسية المستوردة على ما يبدو بعض الحرج للستراتيجيين الصينيين، لأن الصين اصبحت بحوزتها الان طائرتها الشبح الخاصة بها من طائرات الجيل الخامس، وهي الطائرة «جي20»، علاوة على كونها تفخر اليوم بطائرتها الجديدة نسبياً «جي11 دي»، ناهيك عن الطائرة الضاربة التي تكثر الاشادة بها «جي16». 
 
نقطة المنعطف وأجواء 
حرب باردة جديدة
لا يمكن لأحد أن يشكك في مدى التقدم العملاق الذي بلغته القوة الجوية الصينية الذي مكنتها منه الاضافات الروسية الكبيرة المتتابعة التي توالت على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، ناهيك عما قدم خلال أعوام الخمسينيات، دعنا لا ننسى أيضاً ان ذلك كان أول زج صيني ناجح للقدرات والمعارف الصينية المكثفة في هذا الميدان، من المتوقع أيضاً أن يكون جيش التحرير الشعبي الصيني مستعداً في المستقبل القريب للكشف عن قاذفتي قنابل جديدتين، كي لا تفوتنا الإشارة الى قاذفة القنابل الصينية الحالية المعتمدة كواحدة من قاصفات الخط الأول نشير الى مقالة نشرتها مجلة «السفن الحديثة- مودرن شبس» في عددها المرقم 20 للعام 2017 تحت عنوان جريء هو: «الطائرة الصينية أتش6 أن تمتلك القدرة على ضرب ألاسكا الأميركية في العمق» .. مرحباً بكم في أجواء حرب باردة جديدة.